الجمعة, 3 أكتوبر 2025 11:51 PM

مهرجان «مشكال» في بيروت: منصة شبابية تعيد الحياة إلى المسرح وتاريخ المدينة

مهرجان «مشكال» في بيروت: منصة شبابية تعيد الحياة إلى المسرح وتاريخ المدينة

«مشكال» هو منصة شبابية تعيد الروح إلى بيروت، حيث حولته نضال الأشقر منذ عام 2012 إلى فعل مقاومة وأمل. يحتضن المهرجان، الذي انطلق اليوم، طاقات المسرحيين الجدد من خلال عروض متنوعة وورش عمل مجانية، مؤكداً على التعدد الفني والتجريب.

على الرغم من الأزمات، يواصل المهرجان كتابة حاضر المدينة ومستقبلها بلغة الخشبة. فإذا كان التاريخ السياسي غالباً ما يُدوَّن بقلم المنتصر بالقوة والباطل، فإن التاريخ الفني الأصيل يخطّهُ المنتصرون بالخير والحق والجمال. من هذا المنطلق، يكرِّسُ المسرحُ نفسَه ذاكرةً حيّةً للمدينة، رافضاً البكاء على الأطلال، ومُحلِّقاً من فضاء الخشبة نحو قمّةٍ كلّما بلغها تراءت له أخرى.

هكذا يتجسّد «مسرح المدينة» فضاءً حراً، لا يحلّق بجناح واحد، بل بـ «مشكال» من الأجنحة والطاقات الشبابية التي تؤسّس لنهضة فنية جديدة ترسّخ عراقة بيروت.

تنطلق الدورة الجديدة لمهرجان «مشكال» في «مسرح المدينة» اليوم لتستمرّ حتى العاشر من الشهر الجاري. هذا الملتقى السنوي، الذي تأسّس عام 2012، تحوّل إلى منصّة محورية لاحتضان التجارب المسرحية الشابة طلاباً وخرّيجي المسرح والمستقلين، ممَّن لا يجدون فرصاً كافية لعرض أعمالهم في الأطر التقليدية. إنه يقدّم لهم مساحةً ضروريةً للتجريب وتبادل الخبرات والتواصل المباشر مع الجمهور.

في عام 2012، راهنت الممثلة والمخرجة نضال الأشقر على المسرح فعلَ مقاومة وعلاجاً لمدينة أنهكتها الأزمات وخفَتت بريقها. أسّست «مشكال ــ ملتقى الشباب» في «مسرح المدينة»، ليكون موعداً سنوياً تحتضن فيه الخشبة طاقات الجيل الجديد، فيعرضون أعمالهم ويشاركون تجاربهم، ويُعيدون بثّ الحياة في المشهد الثقافي اللبناني.

منذ البداية، لم يكن «مشكال» مجرد مهرجان، بل مساحة تلاقٍ بين أجيال مختلفة ومنبر للتجريب المسرحي الشامل. وقد حرص القائمون عليه على دعم المواهب الجديدة وإشراكها في شبكة فنية أوسع، عبر التعاون مع فنانين بارزين أمثال ناجي صوراتي وعوض عوض.

يشير منسّق العروض في «مسرح المدينة»، لؤي رمضان، إلى أنّ «مشكال» انطلق قبل 13 عاماً لإضاءة الطاقات المسرحية الشابة خارج أسوار الجامعات وجمعها في مكان واحد. ويوضح: «اخترنا اسم «مشكال» للدلالة على التعدّد، تماماً كما يجمع الألوان المختلفة في صورة واحدة، لخلق مساحة تعكس التنوّع الحقيقي».

ويؤكد رمضان أن المهرجان أصبح فضاءً بديلاً يتيح للطلاب والخريجين عرض أعمالهم أمام جمهور واسع، مكرّساً فكرة التنوّع الفني والثقافي في قلب شارع الحمرا.

ويشير رمضان إلى أنّ الدورة الجديدة تنطلق في ظل ظروف صعبة يواجهها المسرح الشبابي في لبنان، لكنّ «حماسة الطلاب واندفاعهم يشكّلان سبباً كافياً للاستمرار»، مؤكداً على أنّ المهرجان يحرص على إبقاء التذاكر بأسعار رمزية وتقديم بعض الفعاليات مجاناً ليبقى المسرح متاحاً للجميع.

تُفتتح الدورة الجديدة اليوم بفعالية رمزية تحمل عنوان «حكاية شارع الحمرا» يقدّمها فراس خليفة. المشروع إضاءة فنية وتاريخية على الشارع الذي يحتضن المهرجان، إذ يرصد العرض وجوه الحمرا وأرصفته ومقاهيه وتحولاته الثقافية والاجتماعية، ويسائل كيف صنع هذا الشارع شهرته كمركز للفكر والفنون في العاصمة اللبنانية.

يتضمّن برنامج «مشكال» لهذا العام خمسة عروض مسرحية وورشة رقص معاصر، تعكس تنوّع الرؤى والاتجاهات التي يحملها الجيل الجديد من المسرحيين:

  • «المهاجران» (2 تشرين الأول ـــ إعداد وإخراج ريان ناصر عن نصّ سلافومير مورجيك): تدور المسرحية حول عامل مهاجر وأستاذ باحث يجتمعان في قبو مدينة أوروبية ليلة رأس السنة، في رحلة تأمّل في الاغتراب والصراع والهويّة.
  • «تذكرة من نوع آخر» (4 تشرين الأول ـــ كتابة وإخراج يوسف خليل بإشراف كريم دكروب): يستكشف العمل القلق الوجودي عبر ثلاث شخصيات تتأرجح بين الانتظار والرسائل الغامضة.
  • ورشة رقص مع علي شحرور (6 تشرين الأول): ورشة مجانية مفتوحة لهواة الحركة والرقص، تركّز على تمارين تنمّي وعي الجسد وتعزّز الحضور الحسّي، مع ضرورة التسجيل المسبق.
  • «الطابور» (8 تشرين الأول ـــ كتابة وإخراج علي حمادة): مسرحية باللهجة اللبنانية تضع شخصيات في صف انتظار طويل لا نهاية له، في استعارة عن مجتمع محاصر بين أحلام الهجرة وقمع السلطة.
  • «بعد ما سميتها» (10 تشرين الأول ـــ إخراج عماد حمود): يروي العمل رحلة مجد ويحيى العجوزين عبر مراحل حياتهما، في سردية حميمة عن الذاكرة والزمن.

رغم التحديات الاقتصادية وتراجع حضور المسرح الشبابي، يصرّ «مشكال» على الاستمرار في لعب دوره كمنصة مفتوحة أمام الجميع، بتقديم العروض بأسعار رمزية والورشات مجاناً. ولا يقتصر المهرجان على العروض المسرحية، بل يقدّم ورشاً في التمثيل والرقص وتصميم الدمى والإضاءة، ويعالج قضايا تمسّ المجتمع مثل الهجرة والهوية والحريات والانتظار.

يتجاوز «مشكال» كونه مجرد مهرجان شبابي، ليصبح مشروعاً ثقافياً مستمرّاً لإعادة تشكيل المشهد المسرحي في بيروت. ففي زمن تُكتب فيه نهايات المدينة بأصابع الخوف، يصرّ المسرح على أن يخطّ بداياتها بأجنحة الشباب وطاقتهم المتجددة. ومع كلّ دورة، يتجدّد الأمل بأن الفنّ قادر على مداواة المدن الجريحة، وأن بيروت ستظل تكتب تاريخها وحاضرها ومستقبلها على الخشبة.

* مهرجان «مشكال»: بدءاً من اليوم حتى 10 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا)

مشاركة المقال: