نالين علي ـ القامشلي
عدنان سليمان، البالغ من العمر 52 عاماً وأحد سكان مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، يجد صعوبة في التحدث باللغة العربية بطلاقة. يعيش عدنان منذ ولادته ضمن فئة “مكتومي القيد”، المحرومة من الحقوق المدنية الأساسية كالحصول على الهوية الشخصية، التعليم، العمل، وحتى الزواج الرسمي.
يصادف الغد الذكرى الثالثة والستين للإحصاء الاستثنائي الذي جرى في 5 تشرين الأول عام 1962، والذي جرد أكثر من 300 ألف كردي في سوريا من جنسيتهم. وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية هذا الإجراء جزءاً من سياسات قمعية ممنهجة نفذها النظام السوري بحق الكرد.
في عام 1962، نفذت الحكومة السورية إحصاءً استثنائياً في محافظة الحسكة، بأمر من الرئيس ناظم القدسي ورئيس حكومته بشير العظمة. قسم الإحصاء الكرد السوريين إلى ثلاث فئات: الكرد الذين احتفظوا بجنسيتهم السورية، الكرد المجردين من الجنسية والمقيدين كأجانب في السجلات الرسمية، والكرد غير المسجلين في سجلات الأحوال المدنية، المعروفين بـ “مكتومي القيد”، أي الأشخاص الذين لا وجود رسمي لهم.
الحرمان من كل شيء
يصف عدنان وضعه الشخصي لنورث برس قائلاً: “توفي والدي دون تسجيل زواجهم في المحكمة بسبب كوني مكتوم القيد. كان والدي يحرص دائماً على جلب شهادة تعريف من المختار لتسهيل بعض الأمور اليومية لنا، لكنها لم تكن كافية”.
ويضيف: “قبل سقوط النظام بشهرين، كنا نحاول إنهاء أوراقنا عبر المحامين للحصول على الهوية والمواطنة. لكن النظام سقط قبل استكمال الإجراءات، واليوم الدوائر الحكومية متوقفة عن العمل، ولا نعرف ما سيكون مصيرنا”.
ويصف الحياة اليومية لمكتومي القيد بأنها مليئة بالعقبات: “كنا محرومين من كل شيء. حتى عند السفر إلى دمشق، لم نتمكن من الإقامة في الفنادق لأنها تطلب الهوية، ونحن بلا أوراق. التعليم والعمل كانا مغلقين أمامنا، مهما درسنا فلن نحصل على شهادة أو وظيفة. مكتوم القيد مثل الورقة التي تسقط من الشجرة، محروم من جميع الحقوق”.
مدينة القامشلي شمالي سوريا
ويضيف عدنان أن الوضع معقد بسبب عدم وضوح سياسات الحكومة الجديدة: “لا نعرف حتى الآن كيف ستتعامل الحكومة مع قضيتنا. ربما علينا البدء من الصفر، دفع تكاليف جديدة، توكيل محامٍ، جمع الشهود والأوراق، وربما في النهاية لا يتحقق شيء”.
من جهته، يوضح المحامي جوان عيسو لنورث برس أن مشكلة مكتومي القيد لها جذور تاريخية: “في عام 1962، أصدرت الأنظمة السابقة مرسوماً تشريعياً رقم 93، وأجرت إحصاءً سريعاً في المنطقة هدفه تعريبها وتغيير ديمغرافيتها. ونتيجة هذا الإحصاء حُرم نحو 120 إلى 150 ألف كردي من الجنسية، وهو ما يعد انتهاكًا واضحاً للمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، التي تضمن لكل فرد الحق في الجنسية”.
ويضيف عيسو: “تم تقسيم المجردين من الجنسية إلى فئتين: فئة تُصنَّف كأجانب دون تحديد الدولة الأصلية، وفئة أخرى هي ‘مكتومي القيد’ الذين لا يحملون سجلات مدنية ويُحرمون من الحقوق الأساسية. استمر هذا الوضع حتى بداية الأزمة السورية عام 2011، حين أصدر النظام السابق مرسومًا لمنح الجنسية للمتضررين، لكن لا يزال هناك الكثير ممن لم يستعيدوا حقوقهم”.
ويصف المحامي هذا الإحصاء بأنه “جائر وعنصري وإقصائي”، مؤكداً على أن الاعتراف بالتجريد من الجنسية وتعويض المتضررين واستعادة حقوقهم المدنية أمر ضروري.
وأضاف: “بعد سقوط النظام في ديسمبر الماضي وتشكيل الحكومة المؤقتة، لم تبادر أي جهة بحل ملفات مكتومي القيد والمحرومين من الجنسية، رغم كونها قضية حقوقية أساسية”.
المعضلة الاجتماعية لمكتومي القيد تتجاوز الحرمان من الأوراق الرسمية، لتطال كافة مجالات حياتهم: صعوبة السفر، حرمان من العمل الرسمي، صعوبات في التعليم، والحرمان من الحقوق المدنية الأساسية. يعيش هؤلاء في حالة من الغموض الدائم، ينتظرون الاعتراف والعودة إلى المجتمع كأفراد يحملون نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون.
ويأمل عدد من المكتومين أن تولي الحكومة الجديدة اهتمامًا بهذه القضية، وأن تبدأ في وضع آليات واضحة لاستكمال الأوراق المدنية، وتوفير الدعم القانوني لضمان حصول كل مكتوم على حقوقه، وإنهاء هذا الظلم الممتد لعقود.
تحرير: معاذ الحمد