الجمعة, 10 أكتوبر 2025 05:05 PM

من مخيم للاجئين إلى حي راقٍ: قصة حي المهاجرين في دمشق

من مخيم للاجئين إلى حي راقٍ: قصة حي المهاجرين في دمشق

شبكة أخبار سوريا والعالم: قبل أكثر من قرن، استقبلت دمشق آلاف اللاجئين الفارين من الحروب والنزاعات في البلقان والأناضول، ليؤسسوا حيًا جديدًا أطلق عليه اسم "المهاجرين"، وليس "اللاجئين". اليوم، يُعتبر حي المهاجرين من أرقى أحياء العاصمة السورية، حيث تُباع المنازل بمئات الآلاف من الدولارات، ويحمل تاريخًا عمرانيًا واجتماعيًا فريدًا يجسد قصة تعايش واندماج استثنائية.

من أراضٍ جرداء إلى عقارات بملايين الليرات: تُظهر أحدث البيانات العقارية ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار العقارات في حي المهاجرين. فقد يصل سعر منزل مستقل معروض للبيع إلى 600 ألف دولار، بينما تُعرض شقة أخرى بحوالي 850 مليون ليرة سورية (ما يعادل تقريبًا 85 ألف دولار)، وفقًا لاستطلاعات ميدانية أجرتها إرم نيوز في عدد من مكاتب العقارات بدمشق.

اللافت في هذا التحول هو أن الأراضي التي بُني عليها الحي كانت تُباع بأسعار زهيدة للغاية قبل قرن من الزمن، حيث بلغ سعر المتر المربع الواحد متليكًا واحدًا، وهي عملة عثمانية كانت في أدنى مستوياتها من حيث القيمة.

من دون خيام… اللاجئون بنوا الحي بالحجر: على عكس الصورة النمطية لمخيمات اللاجئين، تم تأسيس حي المهاجرين بشكل مختلف تمامًا. فقد قام اللاجئون، بمساعدة عدد من الدمشقيين، ببناء منازل حجرية على سفوح جبل قاسيون، دون الحاجة إلى خيام مؤقتة. ومع توفير مياه نبع الفيجة الشهير، ازداد الإقبال على المنطقة وتوسعت تدريجيًا نحو الجبل.

تعود بدايات الحي إلى أواخر القرن التاسع عشر، مع نزوح جماعات شركسية وتركية وسكان من جزيرة كريت، نتيجة لتدهور الإمبراطورية العثمانية والحروب التي شهدتها منطقة البلقان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

ناظم باشا… الوالي الذي مهّد لتأسيس حي المهاجرين: يذكر المؤرخ السوري علي الطنطاوي في كتابه "دمشق: صور من جمالها وعبر من نضالها" أن الفضل في تأسيس الحي يعود إلى ناظم باشا، آخر والي عثماني في دمشق. فقد بنى قصرًا في سفح قاسيون، وشجع على بيع الأراضي المحيطة به بأسعار رمزية، ووفر الخدمات الأساسية، ومدّ سكة "الترام" إلى المنطقة.

حرص الوالي على جذب كبار الموظفين والعائلات الدمشقية للإقامة في الحي، ومن بينهم الباشكاتب، أحد كبار مسؤولي الدولة العثمانية، والذي لا تزال المنطقة التي سكنها تحمل اسمه حتى اليوم.

كما تم اختيار الحي لاستقبال الإمبراطور الألماني غليوم الثاني خلال زيارته إلى دمشق عام 1898، حيث أقيمت فيه منصة لاستعراض الجنود، لا تزال تعرف حتى الآن باسم "المصطبة".

رمز للتعايش السوري… لاجئون ودمشقيون في حي واحد: يرى الكاتب السوري إبراهيم الجبين أن حي المهاجرين لم يحظَ بالاهتمام الكافي، على الرغم من كونه نموذجًا نادرًا للتعايش بين سكان دمشق الأصليين والمهاجرين. ويشير إلى أن الحي احتضن شخصيات بارزة، من بينهم يوسف العظمة، أول وزير حربية في الحكومة السورية بعد الاستقلال عن العثمانيين، والذي استشهد في معركة ميسلون ضد الفرنسيين عام 1920.

ومن بين الوجوه البارزة في العصر الحديث، يبرز الفنان الراحل نهاد قلعي، أحد رموز الدراما السورية، الذي نشأ في هذا الحي.

حيّ يجذب المخرجين والفنانين بأصالته المعمارية: بفضل طابعه المعماري المميز، أصبح حي المهاجرين موقعًا مفضلًا لتصوير المسلسلات والأفلام السورية. فقد استضافت شوارعه وأدراجه ومنازله ذات الطابع التراثي مشاهد من أعمال شهيرة مثل مسلسل "عصي الدمع" من إخراج حاتم علي وفيلم "نسيم الروح" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد وبطولة بسام كوسا.

يتميز الحي بطراز معماري جلبه المهاجرون معهم من بلادهم الأصلية، وبُني على سفح الجبل بطريقة تتناسب مع التضاريس، باستخدام الأدراج كممرات بين المنازل.

تحديث تدريجي وفتح طرقات مغلقة منذ عقود: مع التحولات السياسية في البلاد بعد عام 2024، بدأ حي المهاجرين يشهد عملية انفتاح عمراني، بعد إزالة حواجز أمنية كانت تقطع أوصاله لعقود. ويتزايد الإقبال على السكن فيه تدريجيًا، بالتزامن مع فتح طرقات فرعية وتحسين الخدمات.

يشير الكاتب صفوح خير في كتابه "مدينة دمشق: دراسة في جغرافية المدن" إلى أن الحي بدأ بمنزل وحيد يُعرف باسم "بيت الداغستاني"، الذي بناه أول مهاجر في المنطقة، ليصبح لاحقًا نواة أحد أرقى أحياء دمشق.

إرم نيوز

مشاركة المقال: