السبت, 11 أكتوبر 2025 03:34 AM

انفراج في العلاقات السورية اللبنانية: هل يعود الأمل باستعادة الأموال المجمدة؟

انفراج في العلاقات السورية اللبنانية: هل يعود الأمل باستعادة الأموال المجمدة؟

تتصدر قضية الأموال السورية المجمدة في المصارف اللبنانية قائمة التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا في ظل الأزمة الراهنة. ومع بوادر التقارب السياسي بين دمشق وبيروت، إثر زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان، يزداد الترقب بشأن إمكانية استعادة هذه الأموال التي تمثل جزءاً هاماً من الثروة الوطنية، وما يترتب على ذلك من آثار على الاقتصاد السوري.

يُعد فهم حجم الأموال المجمدة، وآليات استعادتها المحتملة، وتقييم الأثر الاقتصادي المتوقع، خطوات ضرورية لرسم سياسات اقتصادية مستدامة.

تقديرات وحجم الخسائر

أوضح الدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في جامعة حماة، أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن حجم الأموال السورية المجمدة في المصارف اللبنانية يتراوح بين 20 و40 مليار دولار أمريكي، وتشمل ودائع الأفراد والشركات. وقد تسببت الأزمة المصرفية اللبنانية، التي تفاقمت منذ عام 2019، في خسائر كبيرة لهذه الأموال نتيجة انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وتجميد السحوبات بالدولار، وفرض قيود مشددة على التحويلات.

ويرجح أن تتراوح نسب الخسائر الفعلية بين 50 و80 بالمئة من القيمة الأصلية للودائع، وذلك تبعاً لنوع الحساب، وسعر الصرف المستخدم، وإجراءات كل مصرف، في ظل غياب الشفافية في القطاع المصرفي اللبناني.

آليات استعادة الودائع

يتوقع الدكتور عبد الرحمن محمد أن يمهد التقارب السوري اللبناني لتحرك قانوني ودبلوماسي لاستعادة الودائع، من خلال التفاوض المباشر مع الحكومة اللبنانية للتوصل إلى اتفاقيات ثنائية تضمن إعادة الأموال أو جزء منها، أو عبر اللجوء إلى التحكيم أو القضاء الدولي لاسترداد الحقوق المالية. كما يمكن التعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي للضغط باتجاه حل منصف، وتفعيل الضغط السياسي والدبلوماسي عبر تعزيز العلاقات الرسمية مع لبنان. ويرى أن نجاح هذه الآليات يعتمد على استقرار الأوضاع السياسية اللبنانية ومدى استعداد المصارف اللبنانية للتعاون.

الأثر الاقتصادي المتوقع

في حال نجاح سوريا في استعادة جزء كبير من الودائع، يرى الدكتور محمد أن النتائج الاقتصادية ستكون ذات تأثير كبير. فزيادة السيولة المحلية ستعزز قدرة المصارف على تمويل المشاريع الإنتاجية، كما أن ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية قد يسهم في استقرار سعر صرف الليرة السورية أو حتى تحسنه. ويمكن لاستعادة الأموال أن تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية ودعم القطاعات الإنتاجية، إلا أن تحقيق هذه الفوائد يتطلب إدارة رشيدة لتجنب ضخ الأموال بطريقة عشوائية قد تسبب تضخماً جديداً أو اختلالات نقدية.

إجراءات مطلوبة سورياً

لضمان توظيف الأموال المستعادة بأقصى فاعلية، يقترح الدكتور محمد على الحكومة السورية وضع خطة اقتصادية شاملة تدمج الأموال في الدورة الإنتاجية دون إحداث تضخم، مع تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان توجيه الموارد نحو التنمية الفعلية. كما ينبغي إصلاح القطاع المصرفي وتحسين كفاءته ليكون قادراً على إدارة التدفقات الجديدة، وإنشاء صندوق سيادي وطني يخصص للاستثمار طويل الأجل، والتعاون مع المؤسسات الدولية لتحقيق الانضباط المالي واستعادة الثقة.

ويختتم الدكتور محمد حديثه بالتأكيد على أن استعادة الأموال السورية المجمدة تمثل فرصة نادرة لإنعاش الاقتصاد الوطني، لكنها في الوقت ذاته تحدٍ إداري واقتصادي كبير يتطلب إدارة دقيقة وإصلاحات هيكلية جادة. ويؤكد أن نجاح الجهود مرهون بالتعاون الإقليمي والدولي، وبقدرة الحكومة على اعتماد سياسات مالية رشيدة تضمن أن تتحول هذه الأموال من أرصدة مجمدة إلى رأسمال منتج ينعش الاقتصاد السوري ويعيد الثقة إلى النظام المالي الوطني.

محمد راكان مصطفى

مشاركة المقال: