الأحد, 12 أكتوبر 2025 10:56 PM

الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الفن: هل يهدد الإبداع أم يثريه؟

الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الفن: هل يهدد الإبداع أم يثريه؟

يشهد العالم الفني تحولًا كبيرًا مع دخول الذكاء الاصطناعي بقوة في مجالات الإبداع السمعي والبصري. فبعد أن كان مقتصرًا على توليد الموسيقى أو تصحيح الصوت، أصبح حاضرًا في صناعة الفيديو كليب، حيث يمكن للفنان أن يطرح عملًا بصريًا كاملًا من إنتاج الذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى فريق تصوير أو مواقع إنتاج ضخمة، وفقًا لما ورد في عنب بلدي – كريستينا الشماس.

هذا التحول طال الساحة العربية أيضًا، ومن الأمثلة على ذلك فيديو كليب "نار عَ علم" لحسام جنيد، و"نركب هالسيارة" لـ"أبو ورد"، و"معنى العشق" لملحم زين، وهي أعمال تعتمد كليًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أثار نقاشًا واسعًا حول القيمة الفنية والأصالة ومستقبل الصورة الموسيقية.

تغيرات في الإنتاج البصري

لطالما كان الفيديو كليب جزءًا أساسيًا من هوية الأغنية، خاصة في فترة التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، عندما كانت الفضائيات هي المصدر الرئيسي للمشاهدة. في تلك المرحلة، كانت الأغنية التي تصور فيديو كليب تحظى بشهرة وانتشار أكبر، بينما كانت الأغاني التي لم تصور أقل حظًا، بحسب الناقد الفني شارل عبد العزيز.

وأوضح أن المخرجين أنفسهم تحولوا إلى نجوم، مثل يحيى سعادة وليلى كنعان وسعيد ونادين لبكي، وبلغت تكاليف بعض الإنتاجات مئات الآلاف من الدولارات، لأن الفيديو كليب كان يعتبر عنصرًا دعائيًا لا يقل أهمية عن الأغنية نفسها.

لكن المشهد تغير جذريًا مع انتشار المنصات الرقمية وتراجع دور التلفزيون، إذ أصبحت التطبيقات الصوتية مثل "أنغامي" وغيرها هي المصدر الرئيسي لاستهلاك الموسيقى. فلم يعد المشاهد ينتظر عرض الفيديو كليب على الشاشة، بل يكتفي بالاستماع، وهو ما دفع الفنانين إلى تخفيض ميزانياتهم الإنتاجية والاكتفاء بما يعرف بـ"كليبات بسيطة" ذات موقع تصوير واحد، كما فعلت نانسي عجرم في أعمالها الأخيرة. وهكذا تحول الفيديو كليب من تجربة بصرية غنية ومكلفة إلى منتج سريع ومنخفض التكاليف، يلبي متطلبات النشر على الإنترنت أكثر مما يخاطب حس الإبداع.

غياب الرؤية الفنية

على الرغم من أن توظيف التقنيات البصرية في الفيديو كليبات ليس جديدًا، كما ذكر عبد العزيز، إذ استخدمت مؤثرات "الجرافيكس" منذ التسعينيات، على سبيل المثال في أغنية "على بالي" لنوال الزغبي، التي استخدمت فيها "جرافيكس" لتجسيد مشاهد خيالية تحت الماء، أو "تسهرني الليل عيونك" لراغب علامة، التي تضمنت مشاهد فئران راقصة بتقنيات "الأنيميشن"، فإن تلك الأعمال كانت تعتمد على جهد فني وتعاون مع مختصين، وكانت مكلفة جدًا مقارنة بما ينتج اليوم "بضغطة زر" ومتاحًا لأي شخص، بحسب تعبيره.

ويرى الناقد الفني شارل عبد العزيز أن المشكلة ليست في استخدام الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في الاعتماد الكامل عليه دون وجود فكرة أو رؤية فنية تبرر حضوره. فهناك بعض الأعمال الحديثة مثل فيديو كليب حسام جنيد "نار عَ علم"، نرى فيها مشاهد غير مترابطة وغير مبررة، مجرد خلفيات مولدة بلا معنى بصري أو سردي.

واعتبر عبد العزيز أن هذه المشاهد قللت من قيمة الصورة الفنية وشوهت هوية الفنان، لأن الجمهور لم يعد يرى فيه عملًا متكاملًا، بل مجرد استعراض لتقنيات الذكاء الاصطناعي. ووصف تجارب الفنانين السابقة بدمج الواقع الافتراضي مع الفيديو كليبات بـ"الأذكى"، بطريقة يبقى الفنان في صورته الحقيقية، فيما تولد الخلفيات أو التفاصيل المحيطة به بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يمنح توازنًا بين الأصالة والتجديد.

أسباب الإقبال

السبب الرئيسي وراء هذا التوجه، وفقًا لعبد العزيز، هو التكلفة المنخفضة وسرعة الإنتاج. فالفيديو الذي كان يحتاج إلى فريق مكون من عشرات الأشخاص ومواقع تصوير وسفر ومونتاج، يمكن اليوم إنجازه في يوم واحد، وربما بأيد فردية.

الفنانون يعتقدون أنهم بذلك يواكبون العصر أو يصنعون "تريند"، لكن النتيجة في الغالب لا تلقى استحسان الجمهور، لأن الذكاء الاصطناعي صار مألوفًا ومتاحًا في كل مكان، ولم يعد يشكل دهشة بصرية.

شارل عبد العزيز

ناقد فني

تهديد هوية الفنان

من وجهة نظر عبد العزيز، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في ضعف الجودة البصرية، بل في تهديد هوية الفنان نفسه، معتبرًا أن الفنانين الكبار يمتلكون "إيميج" (صورة) تراكمت عبر سنوات من العمل، وهذه الصورة جزء من أرشيفهم وجاذبيتهم الجماهيرية.

"الفنان الذي يختار الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي يخاطر بأن يفقد أصالته، لأن الصورة المولدة لا تعبر عنه فعليًا، بل عن خوارزمية قابلة للتكرار"، قال عبد العزيز. وأضاف أن الفنانين العالميين الكبار، رغم قدرتهم التقنية والمادية، لم يعتمدوا بعد على الذكاء الاصطناعي في أعمالهم الرسمية، بل يتركون استخدامه للحملات الترويجية أو الصفحات الخاصة بجمهورهم، حفاظًا على القيمة الفنية للصورة الموسيقية.

وحذر الناقد الفني، عبد العزيز، من أن هذا المسار قد يؤدي مستقبلًا إلى استبدال الفنانين أنفسهم بنماذج رقمية، فاليوم نستبدل فريق الإنتاج بذكاء اصطناعي، وغدًا يمكن أن نستبدل الفنان نفسه بـ"أفاتار" يغني بصوت مولد وملامح محسنة، وربما يجد الجمهور في ذلك ما يشبع فضوله الجمالي، بحسب عبد العزيز، معتبرًا أن الخطر الأكبر هو تحول الفن إلى منتج بلا روح، عندما تتساوى كل الأصوات والصور في عالم رقمي متشابه.

واختتم عبد العزيز حديثه بالتأكيد على أن الفن الحقيقي لا يختزل في التقنية، بل في الإحساس والجهد والرؤية. فالذكاء الاصطناعي أداة مهمة، لكنه لا يمكن أن يحل محل الإنسان في التعبير عن المشاعر أو نقل التجربة. وأشار إلى أن الفيديو كليبات القديمة التي صورت بجهد وحس فني ما زالت تعيش في ذاكرة الناس حتى اليوم، بينما يصعب أن تترك الأعمال المولدة بالذكاء الاصطناعي الأثر نفسه.

مشاركة المقال: