الأربعاء, 15 أكتوبر 2025 02:32 PM

تحقيق استقصائي يكشف عن أكبر مقبرة جماعية مكتشفة في سوريا بصحراء الضمير

تحقيق استقصائي يكشف عن أكبر مقبرة جماعية مكتشفة في سوريا بصحراء الضمير

كشف تحقيق استقصائي لوكالة "رويترز" عن قيام النظام البائد بعملية سرية واسعة النطاق استمرت قرابة عامين، تهدف إلى نقل آلاف الجثث من إحدى أكبر المقابر الجماعية المعروفة في سوريا إلى موقع سري في صحراء الضمير، شمال شرقي دمشق.

استند التحقيق إلى شهادات 13 شخصاً مطلعاً على العملية، بالإضافة إلى مراجعة وثائق رسمية وتحليل مئات الصور الفضائية. وكشف أن قوات الأسد قامت بحفر مقبرتين ضخمتين، الأولى في القطيفة والثانية في الصحراء خارج بلدة الضمير، بهدف إخفاء الأدلة على عمليات قتل جماعي ارتُكبت خلال سنوات الحرب.

عملية "نقل الأتربة"

أطلقت السلطات على العملية اسم "نقل الأتربة"، واستمرت بين عامي 2019 و2021. وشملت نقل رفات الضحايا عبر ما بين ست إلى ثماني شاحنات أسبوعياً على مدار أربع ليالٍ متتالية، وفقاً لما أكده سائقون وضباط سابقون شاركوا في العملية. وأوضح الشهود أن الجثث تعود لجنود وسجناء لقوا حتفهم في سجون النظام ومستشفياته العسكرية، مشيرين إلى أن العملية جرت بسرية تامة وتحت إشراف مباشر من الحرس الجمهوري.

مقبرة الضمير: أكبر مواقع الدفن الجماعي

أظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها "رويترز" أن المقبرة الجديدة في صحراء الضمير تضم 34 خندقاً تمتد على طول كيلومترين تقريباً، ما يجعلها من أوسع المقابر الجماعية التي أُنشئت خلال الثورة السورية. وتشير التقديرات إلى احتمال دفن عشرات الآلاف من الأشخاص في هذا الموقع وحده. وقال ضابط سابق من الحرس الجمهوري للوكالة إن فكرة نقل الجثث برزت في أواخر عام 2018، مع اقتراب الأسد من إعلان "النصر" في الحرب، حيث أراد تحسين صورته دولياً وإخفاء الأدلة على جرائم القتل الجماعي. وأضاف أن القادة العسكريين أبلغوا المشاركين بأن الهدف من العملية هو "تطهير مقبرة القطيفة وإخفاء الأدلة". وبحسب التحقيق، فإن كل الخنادق الـ16 التي وثقتها "رويترز" في مقبرة القطيفة تم إخلاؤها بالكامل بحلول سقوط النظام في أواخر العام الماضي.

ملف المفقودين بعد سقوط النظام

تقدر منظمات حقوقية سورية عدد المختفين في عهد الأسد بأكثر من 160 ألف شخص، يُعتقد أن معظمهم دُفنوا في مقابر جماعية بمواقع متعددة في أنحاء البلاد. وأكدت الهيئة الوطنية للمفقودين أن جهود الكشف عن مصيرهم تصطدم بنقص الكوادر المتخصصة والموارد التقنية، لا سيما في مجالات الطب الشرعي وتحليل الحمض النووي. وقال رئيس الهيئة، محمد رضا جلخي، إن "عدد المفقودين قد يتجاوز عشرات الآلاف، وما نحتاجه الآن هو بناء كوادر متخصصة للتعامل مع هذا الملف الإنساني المعقد".

ردود الفعل

من جهته، شدد وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح في تصريح لصحيفة "الوطن" على أن "الجرح لا يزال نازفاً ما دامت هناك أمهات وزوجات وأطفال ينتظرون العثور على قبور أحبّائهم". أما المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، فقال إن نقل الجثث عشوائياً "زاد من معاناة العائلات"، موضحاً أن تجميع الرفات لتحديد هوية الضحايا لاحقاً سيكون "مهمة معقدة للغاية". وأضاف أن إنشاء لجنة وطنية للمفقودين يمثل خطوة إيجابية، لكنها تحتاج إلى دعم سياسي وفني أكبر.

يشار إلى أن "رويترز" أكدت أنها لم تفصح عن الموقع الدقيق للمقبرة السرية تجنباً لأي عبث محتمل بها، مشيرة إلى أن تقريراً تفصيلياً سيصدر قريباً يوضح كيفية تنفيذ العملية والجهات المشاركة فيها.

مشاركة المقال: