الجمعة, 17 أكتوبر 2025 10:31 PM

نيويورك تايمز تكشف تفاصيل انهيار نظام الأسد وهروب مسؤوليه في الظلام

نيويورك تايمز تكشف تفاصيل انهيار نظام الأسد وهروب مسؤوليه في الظلام

كشف تحقيق استقصائي مطول نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تفاصيل اللحظات الأخيرة لهروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وبعض المقربين منه من البلاد في أواخر عام 2024.

بدأت الصحيفة بسرد الأحداث التي جرت بعد منتصف ليلة الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024. في تلك الليلة الباردة، تجمع عشرات المسؤولين السوريين الكبار في مدخل المطار العسكري المظلم بدمشق، حاملين حقائب مليئة بالنقود والمجوهرات، ووجوههم تعكس ترقبًا لمصير مجهول. قبل ساعات فقط، كان هؤلاء يمثلون العمود الفقري لأحد أكثر الأنظمة وحشية في العالم، بحسب الصحيفة.

من بين المسافرين كان قحطان خليل، مدير المخابرات الجوية المتهم بارتكاب مجازر دموية، ووزيرا الدفاع السابقان علي عباس وعلي أيوب، ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم، المتهم بتسهيل التعذيب والاغتصاب ضد المدنيين، وفقًا للتقرير.

تفيد الصحيفة بأنها حصلت على تفاصيل الهروب من مصدر كان ضمن المسافرين واثنين من مسؤولي النظام السابق الذين كانوا على اطلاع بما جرى. في تلك الليلة، كان كبار مساعدي الرئيس ينتظرون في القصر الجمهوري، معتقدين أنه يضع خطة دفاع مع الروس والإيرانيين لصد تقدم المقاتلين المعارضين نحو العاصمة، لكن الأسد لم يظهر، ولم تُكتب الخطة.

عند منتصف الليل، اكتشف المقربون أن الرئيس قد نُقل سرًا في موكب روسي إلى قاعدة حميميم الساحلية، برفقة ابنه واثنين من مستشاريه الماليين. وما إن انتشر الخبر حتى دب الذعر في أروقة الحكم. أحد كبار المسؤولين اتصل بعائلته قائلاً: "لقد رحل، احزموا حقائبكم فورًا"، حسب رواية الصحيفة.

خلال ساعات، انطلقت قوافل من السيارات الفارهة نحو الساحل، بينما تولت السفارة الروسية إيواء آخرين وتأمين ممراتهم الآمنة. استقل بعضهم طائرات، وتوجه آخرون إلى فيلاتهم الساحلية وانطلقوا بزوارق فاخرة. أما بالنسبة لآلاف السوريين الذين فقدوا أحباءهم أو تعرضوا للتعذيب أو السجن أو التهجير على يد نظام الأسد، فقد تحولت بلادهم إلى مسرح جريمة فرّ منه الجناة الرئيسيون جماعيًا، كما تروي الصحيفة.

أكدت صور الأقمار الصناعية أن طائرة "ياك–40" روسية أقلعت من دمشق في الواحدة والنصف فجرًا، وهبطت في قاعدة حميميم بعد دقائق، وفقًا للتقرير. ووصف شهود عيان للصحيفة فوضى غير مسبوقة داخل القاعدة الجوية، من ضباط يرمون بزاتهم، ومسؤولين يحملون حقائب مليئة بالذهب، ومستشارين روس ينظمون رحلات الإجلاء إلى موسكو.

وصلت 5 شخصيات بارزة على الأقل إلى موسكو في تلك الليلة، بينما لجأ آخرون إلى الفيلات الساحلية المجاورة. وهكذا انتقلت رعاية موسكو للأسد من إنقاذ نظامه في أثناء الحرب، إلى إنقاذ رموزه من السقوط والمحاسبة، وفقًا للتقرير.

بينما كان كبار القادة يفرون، بقي الآلاف من عناصر المخابرات العامة داخل مقارهم، غير مدركين أن رؤساءهم قد فروا، حسب نيويورك تايمز. وذكرت الصحيفة أن مديرهم حسام لوقا، المعروف بولائه للأسد وإشرافه على التعذيب والاعتقال الجماعي، كان يطمئن رجاله حتى آخر لحظة، قبل أن يفر هو نفسه بعد أن استولى على 1.36 مليون دولار من خزينة الجهاز. ويُعتقد أنه وصل لاحقًا إلى روسيا.

أما كمال الحسن، رئيس شعبة المخابرات العسكرية والمتهم بعمليات الإعدام والتعذيب، فقد أُصيب في أثناء محاولته الهرب، قبل أن يلوذ بالسفارة الروسية التي سهّلت نقله إلى الخارج، حيث انضم إلى علي مملوك، رئيس الأمن القومي الملقب بـ"الصندوق الأسود" للنظام وأحد أخطر رجالاته.

منذ سقوط النظام، انخرط فريق من مراسلي نيويورك تايمز على مدى الأشهر القليلة الماضية في تتبع مصير 55 من كبار المسؤولين السابقين في الحكومة والجيش، الذين وردت أسماؤهم في قوائم العقوبات الدولية ويرتبطون بأكثر الفصول دموية في التاريخ الحديث لسوريا. ووفق الصحيفة، فإن بشار الأسد نفسه يقيم اليوم في روسيا، مقطوع الصلة بمعظم رجاله. وشقيقه ماهر، قائد الفرقة الرابعة "سيئة السمعة"، يعيش حياة بذخ في موسكو مع قادة سابقين أمثال جمال يونس، وفق الصحيفة الأميركية.

وقد ظهر الضابط السابق في الفرقة الرابعة، العميد ركن غياث دلا، في لبنان وهو ينسق مع ضباط من النظام المخلوع لتنفيذ عمليات تخريبية، حسب التقرير. أما العالم عمر الأرمنازي، المسؤول عن برنامج الأسلحة الكيماوية، فأكدت الصحيفة أنه ما زال في دمشق يعيش حياة هادئة دون أن يُمسّ.

وكشفت مصادر للصحيفة أن عديدًا من هؤلاء المسؤولين الهاربين حصلوا قبل سقوط النظام على جوازات سفر سورية حقيقية بأسماء مزورة، استخدموها لاحقًا لاكتساب جنسيات في جزر الكاريبي عبر الاستثمارات العقارية. ونقلت الصحيفة عن مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في باريس القول: "هؤلاء اشتروا هويات جديدة. وهكذا تمكنوا من الاختفاء بفضل ما يملكونه من أموال وعلاقات وقدرة على التنقل والنجاة".

ساعد هذا التمويه المستمر كثيرين على الإفلات من العقوبات والعدالة، وفق التقرير، رغم الجهود الأوروبية والأميركية لبناء ملفات جنائية ضدهم. وفي المقابل، يجمع ناشطون سوريون ومنظمات حقوقية والأمم المتحدة الشهادات والأدلة، أملًا في محاسبة طال انتظارها.

لم تكن كل عمليات الفرار سلسة، وفقًا للصحيفة، فاللواء السابق بسام حسن، أحد أبرز رجال الأسد والمتهم بالهجمات الكيميائية وخطف الصحفي الأميركي أوستن تايس، نجا من الاعتقال بمحض الصدفة. فبينما كان النظام يتداعى، كان حسن نائمًا في دمشق، وعند فجر اليوم التالي، فر هو وعائلته بـ3 سيارات محملة بالأموال. وبالقرب من حمص، أوقف مسلحون إحدى السيارات وأخذوا محتوياتها، دون أن يدركوا أن اللواء كان في السيارة التالية. ووصل لاحقًا إلى لبنان ثم إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين، قبل أن يعود إلى بيروت ويتعاون سرًا مع الاستخبارات الأميركية، وفقًا لمصادر مطلعة وثقتها الصحيفة، بينما يعيش حياة مترفة متنقلًا بين مقاهي ومطاعم العاصمة اللبنانية بهوية جديدة.

أما بالنسبة لعشرات الآلاف من السوريين الذين كانوا ضحايا لنظام الأسد، فيبدو أن مسار العدالة يسير بلا هدف، حسب التقرير. ولا يزال السؤال مفتوحًا عما إذا كانت الحكومة الحالية، برئاسة أحمد الشرع، تمتلك القدرة على ملاحقة مسؤولي نظام الأسد المتهمين بارتكاب جرائم حرب بشكل جاد، وفق نيويورك تايمز.

ووفقًا للتحقيق الاستقصائي، فإن الآمال في قيام محكمة دولية تحقق العدالة تتضاءل في ظل استمرار انقسام القوى الأجنبية منذ سنوات حول الحرب في سوريا والانتفاضة ضد النظام السابق. وبالنسبة لأولئك الذين يواصلون الكفاح من أجل عدم السماح بطمس جرائم النظام من ذاكرة التاريخ، تبقى الحقيقة المرة، برأي الصحيفة، على حالها، حيث لا يزال كبار رجال الأسد يعيشون حياة الترف، ويسبقون ملاحقيهم بخطوة، "والعدالة تظل بعيدة المنال".

مشاركة المقال: