الإثنين, 20 أكتوبر 2025 12:52 AM

كتاب "هندسة الهوية الوطنية": تحليل لأزمة الانتماء في سوريا وسبل إعادة بناء المواطنة

كتاب "هندسة الهوية الوطنية": تحليل لأزمة الانتماء في سوريا وسبل إعادة بناء المواطنة

يتناول الباحث محمود باكير في كتابه “هندسة الهوية الوطنية، سوريا المستقبل” إشكالية غياب الهوية الوطنية السورية وتأثيرها على تفكك الدولة والمجتمع خلال العقد الأخير. يسلط الكتاب الضوء على الحاجة الملحة إلى مشروع وطني جامع يهدف إلى إعادة بناء المواطنة على أسس فكرية وعلمية متينة.

يرى المؤلف، في كتابه الصادر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، أن الأزمة السورية لم تقتصر على الجوانب السياسية والأمنية، بل هي أزمة وعي وغياب لهوية جامعة. ويشير إلى أن تقصير الدولة والأحزاب أدى إلى تدهور الهوية الوطنية وتآكل الانتماء، مما جعل المجتمع عرضة للانقسامات.

اعتمد باكير في تحليله على أدوات علمية مثل “الطبولوجيا” لفهم الهوية بوصفها شبكة من العلاقات المترابطة التي تجمع الأفراد، وليس مجرد انتماء عاطفي أو جغرافي. كما استعان بمفاهيم من الفقه الإسلامي كالمصلحة الشرعية، التي تقوم على تغليب خير الخيرين ودرء الضرر الأكبر بالأصغر.

يؤكد الكتاب أن الهوية الوطنية هي أساس الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية والوحدة السياسية. ويقارن التجربة السورية بتجارب دول اسكندنافية نجحت في ترسيخ هوية وطنية من خلال التعليم الشامل، الذي يعزز قيم الانتماء والمسؤولية والتنوع. يعتبر المؤلف “النموذج الاسكندنافي” مثالاً على التعليم الذي يصقل شخصية الإنسان عقلياً وعاطفياً وأخلاقياً، ويمنح الطلاب القدرة على فهم العلاقات داخل المجتمع والمشاركة الفاعلة فيه.

يشير الكتاب إلى أن بناء الهوية لا يتحقق بدراسة مكونات المجتمع فقط، بل بفهم العلاقات التي تربطها، مستنداً إلى فلسفة “الغشطالت” (Gestalt)، التي ترى أن الكل أكبر من مجموع أجزائه. ومن هذا المنطلق، تصبح “إدارة التنوع” شرطاً لبناء هوية وطنية متماسكة.

طبق باكير هذه الرؤية على المجتمع الدمشقي القديم، موضحاً كيف عبرت عمارة البيوت والاهتمام بالتفاصيل الداخلية عن وعي اجتماعي وإنساني عميق، مما جعل المجتمع الدمشقي متماسكاً ومتوازناً في قيمه وسلوكه.

ربط الكتاب بين فهم العلاقات الاجتماعية والتطور العلمي، موضحاً أن النموذج الاسكندنافي تميز بابتعاده عن التفكير الميكانيكي الذي ساد الفلسفة الحديثة، واعتمد على التناظر بين العلوم الطبيعية والاجتماعية لفهم الإنسان والمجتمع بموضوعية، وهو ما أسماه المؤلف “الهندسة الفكرية للهوية الوطنية”.

في سياق الواقع السوري، أوضح باكير أن ضعف الهوية الوطنية يعود إلى جذور تاريخية منذ تأسيس الدولة بعد اتفاقية “سايكس- بيكو”، وتفاقم في عهد حزب “البعث” الذي رفع شعارات قومية منفصلة عن الواقع.

دعا باكير إلى إعادة بناء الهوية على أسس تعليمية جديدة تنمي الانتماء والمسؤولية، وتستند إلى المصلحة الوطنية عند تعارضها مع الانتماءات الدينية أو الحزبية، في اجتهاد شرعي يدعمه عدد من المفكرين الإسلاميين.

يخلص الكتاب إلى أن إحياء الهوية الوطنية السورية يتطلب قطيعة فكرية مع الماضي، وإطلاق مشروع وطني عقلاني قائم على التعليم والانفتاح وإدارة التنوع، بوصفها الأسس الحقيقية لبناء سوريا المستقبل.

سيرة الكاتب

محمود باكير هو أكاديمي سوري متخصص في الرياضيات، تخرج في جامعتي “دمشق” و”شفيلد” (إنجلترا)، وتولى رئاسة جامعة “القلمون” بين عامي 2011 و2014. اهتم باكير بدراسة العلاقة بين الرياضيات والعلوم الإنسانية، وله بحوث ودراسات محكّمة في هذا المجال. من مؤلفاته: “الرياضيات حرفة عقلية.. طريقة جديدة في الإدراك العقلي”، “دراسات لغوية من منظور رياضي”، “محطات في تاريخ الرياضيات”.

مشاركة المقال: