فادية مجد: بدأت الشاعرة رفاه حبيب، ابنة منطقة صافيتا، رحلتها الأدبية بخطوات واثقة ومشبعة بالشغف، ساعيةً إلى اكتشاف الذات. وجدت في الكتابة متنفساً لتجاوز صعوبات الواقع والتحليق في عالم الخيال. تجلت باكورة تجربتها الأدبية في دفاتر المذكرات والخواطر التي نشرتها في صحيفة محلية، لتنمو سريعاً وتصبح صوتاً أدبياً مميزاً. كتبت النثر وأبدعت في الشعر، إيماناً منها بأن الألم هو الدافع الحقيقي للإبداع.
في حديثها لصحيفة الثورة، استعرضت حبيب بداياتها الأدبية، مؤكدةً أن الكتابة لم تكن مجرد هواية، بل ملاذاً من ضجيج الحياة وبوابة إلى عالم الخيال. كانت المرحلة الثانوية نقطة البداية، حيث اعتادت تدوين مذكراتها اليومية وخواطر بسيطة، تحتفظ بها وكأنها أسرار دفينة. كانت الكتابة وسيلة للهروب من تعب الحياة إلى فضاء الأحلام والصور الجميلة. وتوضح أن الخيال كان العنصر الأكثر جاذبية بالنسبة لها، فهو العالم الذي يضم كل ما تهوى ويصعب تحقيقه على أرض الواقع. من هنا، كانت أولى كتاباتها خاطرة بعنوان "الرائحة السحرية"، تعبر فيها عن عشقها لرائحة الأرض بعد المطر، تلك الرائحة التي تخيلتها كرائحة الحبيب بعد غياب طويل، وقد نُشرت هذه الخاطرة في صحيفة محلية، لتكون أول ظهور لها في عالم النشر.
تؤكد حبيب على أهمية دعم الأهل وتحفيز الألم في مسيرتها، مشيرةً إلى تأثرها بوالدها الذي كان قدوتها في حب المطالعة ومشجعها الأول منذ الطفولة. كما أشارت إلى الدور الكبير الذي لعبه الشاعر الراحل عيسى حبيب، وهو من أقاربها، في دعمها وتشجيعها في بداياتها الأدبية، حيث كان من أوائل المؤمنين بموهبتها. وتعتبر بلدة بعمرة، مسقط رأسها، أكثر من مجرد مكان، فهي الشريان الذي يضخ الحب في قلبها ومنبع الثقافة والأدب والرقي، ونشأتها في هذه البلدة، التي تعد منارة ثقافية في المنطقة، كان سبباً مباشراً في تعميق عشقها للأدب.
لا تلتزم رفاه بجدول زمني للكتابة، بل تكتب عندما تفرض الحالة نفسها، مبينةً أن الإلهام لا يأتي إلا في لحظات الحزن، فالألم هو المحفز الأول للكتابة، وتؤمن بأن «الألم يولّد الإبداع»، وهي مقولة تتبناها بكل قناعة.
تصف الشاعرة نفسها بأنها كاتبة نثر في الأساس، مع محاولات متواضعة في الشعر الموزون، لكنها تتقن كتابة الشعر المحكي. وقد ساهم انضمامها إلى ملتقى صافيتا الأدبي في منحها القدرة على الموازنة بين أنواع الكتابة المختلفة، من نثر وشعر، سواء أكان موزوناً أم محكياً، ومع ذلك يبقى النثر الأقرب إلى قلبها، لأنه يمنحها حرية أوسع في التعبير، بعيداً عن قيود الوزن والقافية التي يفرضها الشعر العمودي.
كتبت حبيب في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، وشاركت في نشاطات أدبية داخل محافظة طرطوس وخارجها، وأُجريت معها لقاءات إذاعية وتلفزيونية محلية وعربية.
في عام 2023، صدر أول ديوان لها بعنوان «كالغناء أو أكثر قليلاً» عن دار بعل في دمشق، في مئة صفحة من القطع المتوسط، أرادت من خلاله أن تقول: إن الطموح لا يقف عند حد، وأن الحلم لا بد أن يتحقق يوماً ما. توضح أن العنوان يرمز إلى التوءمة بين الشعر والغناء، فالشعر موسيقى، والغناء لا يكتمل دونه، وهما معاً يشكلان ثنائية لا تنفصل، وتعمل الشاعرة حالياً على إنهاء روايتها الأولى، كما تفكر في طباعة ديوان شعر محكي قريباً.
وعن دور المرأة في المشهد الأدبي السوري، تؤكد حبيب أن للمرأة دوراً رائداً منذ القدم، بدءاً من العصر الجاهلي مروراً بعصر الإسلام وصولاً إلى يومنا هذا، وتستحضر أسماء لامعة، مثل نازك الملائكة، فدوى طوقان، مي زيادة، كوليت الخوري، غادة السمان، أحلام مستغانمي، وغيرهن من القامات الأدبية التي تركت بصمة لا تُنسى.
ترى حبيب أن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين؛ فهي من جهة وسيلة فعالة لتعريف الآخرين بالكاتب بشكل أوسع وأسرع، لكنها من جهة أخرى أسهمت في انتشار من يدّعون الكتابة، حتى ضاع الشعر الحقيقي بين أهداب «مستشعِرة» وفحولة «مستشعِر»، وأصبحت الصورة – للأسف – هي المقياس. ورغم كل التشوّهات التي تحيط بالمشهد الأدبي، يبقى الأدب بالنسبة لها الخلاص، وتراتيل الأمل نحو غد أجمل.
من ديوان «كالغناء أو أكثر قليلاً» نص:
دَعْ ظِلالك
دَعْ ظِلالَكَ جانباً
وتعالَ نتأبّطُ البحرَ
نُوقِدُ الحنينَ في أتونِ الهجر
ونُغنّي للصباحات…
نقطفُ المواويلَ عن العرزال
ونَشي للنبعةِ بأسرارِ البقاء.
نغمرُ وجهَ الحزنِ بأصابعٍ من أملٍ
متعبٌ صباحُ القصيدةِ يا أبي
فما زال الصفصافُ ينامُ عارياً من وشوشاتِ الدوريّ،
والسنونواتُ هجَرْنَ الدالية،
والغيماتُ – على غير عادتها – لم يقمن هذا المساء عرساً للقبرات.
(أخبار سوريا الوطن2-الثورة)