بعد مرور أكثر من عام ونصف على الحصار والقتال الشرس، أعلنت ميليشيا "قوات الدعم السريع" سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان. وقد وصفت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية هذه الخطوة بأنها تحول خطير في مسار الصراع الذي بدأ في نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني والميليشيا المدعومة بقوات قبلية ومقاتلين مدججين بالسلاح.
تزامن إعلان السيطرة مع انتشار صور ومقاطع مروعة لجثث متفحمة وعشرات القتلى داخل محيط مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، مما أثار موجة تنديد دولية واسعة ودعوات عاجلة للتحقيق في "جرائم حرب محتملة".
بداية الحرب وتحول الفاشر إلى بؤرة عنف
منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وميليشيا "الدعم السريع" في 15 نيسان/أبريل 2023، تحول إقليم دارفور ومدينة الفاشر إلى واحدة من أكثر المناطق عنفًا في البلاد. شنت الميليشيا هجمات متكررة على المدينة ومخيمات النازحين المحيطة، مثل زمزم وأبو شوك. وشملت الهجمات قتل المدنيين وقصفًا عشوائيًا للمناطق السكنية، وفرض حصار خانق أدى إلى انقطاع المساعدات الإنسانية وظهور مؤشرات مجاعة حقيقية في أحياء عدة. كما ارتكبت الميليشيا أعمال نهب واسعة واعتداءات جنسية، ما دفع منظمات دولية إلى التحذير من وقوع جرائم ضد الإنسانية، بل و«أعمال تطهير عرقي» بحق مجموعات سكانية محددة.
عام 2024: الحصار يشتد والمأساة تتعمق
خلال صيف 2024، فرضت ميليشيا "الدعم السريع" حصارًا متزايدًا على الفاشر ومحيطها، مانعة وصول الإمدادات الغذائية والطبية إلى أكثر من نصف مليون مدني. كما كثفت هجماتها على مخيمات النازحين، فقصفت الأسواق والمرافق المدنية، واتُهمت بقتل عمال إغاثة ومهاجمة مؤسسات طبية، ما دفع الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر بشأن الوضع الإنساني الكارثي في المدينة.
تصعيد غير مسبوق في 2025
بين شهري شباط (فبراير) ونيسان (أبريل) من العام الحالي، شهدت الفاشر أسوأ موجات القتل والتهجير منذ بدء النزاع. تقارير أممية وحقوقية أكدت أن الانتهاكات اتخذت طابعًا عرقيًا ممنهجًا، حيث شملت مجازر جماعية وهجمات أرضية وقصفًا جويًا بالطائرات المسيّرة على الأسواق والأحياء المكتظة. كما طالت الهجمات مخيمات النازحين التي تستضيف مئات الآلاف ممن فرّوا سابقًا من مناطق القتال، لتتحول هذه المخيمات نفسها إلى ميادين للدمار. ووثقت منظمات حقوقية وأممية مشاهد مروعة لجثث متفحمة داخل المدينة، ودمار شامل طال المستشفيات والمرافق العامة.
أكدت التقارير أن ميليشيا "الدعم السريع" استخدمت الحصار والتجويع كسلاح حرب، ومنعت دخول الغذاء والمياه إلى مناطق واسعة داخل الفاشر وخارجها، مما جعل أكثر من ربع مليون شخص عرضة لخطر المجاعة. كما استخدمت الميليشيا الاعتداء الجنسي كأداة ترهيب، واستهدفت سيارات الإسعاف والعاملين في المجال الإنساني، ما زاد من معاناة السكان وأعاق جهود الإغاثة.
أرقام مفزعة وتهجير جماعي
تقدّر الأمم المتحدة عدد الضحايا في الفاشر بالمئات، فيما بلغ عدد النازحين والمهجرين الملايين على مستوى السودان. نزح عشرات الآلاف من محيط الفاشر خلال موجات الهجوم الأخيرة، بينما يعيش مئات الآلاف في مخيمات زمزم وأبو شوك، التي تدهورت فيها الأوضاع الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة.
أعقب إعلان ميليشيا "الدعم السريع" سيطرتها على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني انتشار صور ومقاطع فيديو توثق عمليات قتل واحتجاز جماعي لجنود ومدنيين. وأظهرت المقاطع عشرات الجثث الملقاة على الأرض ومركبات محترقة داخل المقر العسكري، إلى جانب مطاردات لمدنيين فارين واحتجاز عشرات الأشخاص بملابس مدنية في مناطق مجاورة.
انتشرت دعوات لتحقيق دولي ومحاسبة الجناة في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على فرض القانون. تتصاعد المطالب بإجراء تحقيق دولي عاجل في الجرائم المرتكبة في الفاشر، ومحاسبة قادة ميليشيا "الدعم السريع" على الانتهاكات الموثقة. كما دعا ناشطون إلى تدخل أممي لحماية المدنيين، وتأمين ممرات إنسانية آمنة، واستئناف عمل المنظمات الإغاثية التي غادرت المدينة خوفًا من الهجمات المتكررة.
تمثل سيطرة "الدعم السريع" على الفاشر منعطفًا دمويًا جديدًا في حرب تهدد بتفكك السودان بالكامل، وسط صمت دولي وتدهور إنساني غير مسبوق.