يرى أنس جوده أن من يدعم بقاء السلطة ويمنحها الغطاء الكامل للحفاظ على صورتها الأحادية الفكرية المغلقة، بحجة وحدة البلاد ومركزيتها، هو نفسه من يغذي دعوات الانفصال والتقسيم تحت ذريعة حماية الأقليات. هذا التوجه يضع السوريين في مواجهة بعضهم البعض، كما حدث سابقاً عندما اتُخذ قرار تدمير البلاد وفتح أبوابها للمقاتلين والسلاح.
يشير الكاتب إلى أن الكره والتوتر والحقد قد بلغوا مستويات هائلة نتيجة انفلات الشعبوية وطغيان أوهام «الأغلبية»، بالإضافة إلى التغطية التي يمارسها بعض مدعي التنوّر والنضال المدني. حتى أن أي محاولة لإعادة التقارب، حتى لو كانت جادة، يُنظر إليها على أنها ولوغ في الدماء ورقص على جثث الضحايا.
ويرى أن كسر هذه الدائرة القاتلة يتطلب فترة تهدئة وابتعاد مؤقت، تتيح للمجتمعات المحلية أن تتنفس وتستعيد قدرتها على الحياة والإحساس بالأمن، وتتحمل مسؤولية إدارة شؤونها بنفسها، بغض النظر عن الشكل القانوني لهذا «الابتعاد». فالقانون، بحسب الكاتب، بات آخر الاهتمامات في ظل سلطة تمارس الحكم بأعلى درجات الاستنسابية والبدائية.
الأهم، بحسب المقال، هو إتاحة فترة من الراحة يمكن بعدها بناء التوافق الوطني من الأطراف نحو المركز، وتحقيق مسار حوار وطني مستدام، بدلاً من المهزلة الكارثية التي قادها من استُعملوا كمحارم ورقية.
ويختتم الكاتب بالقول لمن يعيش وهم «الأغلبية» ويظن نفسه متسيداً، معتقداً أنه قادر على إلغاء الآخر: هذه الدائرة ستبقى تدور حتى تخنق الجميع، بمن فيهم الواهمون أنفسهم، ولن تتوقف عند طائفة أو دين أو مذهب أو طريقة وليس فيها فئة ناجية، بل موت محقق. هذه البلاد ملك لجميع أبنائها على قدم المساواة. لا أغلبية فيها ولا أقليات، لا سادة ولا عبيد، ولا عهود يمنحها مسيطرون لأهل ذمة. إنما هو عقد واحد بين الجميع على أساس المواطنة المتساوية. وما عدا ذلك، فليست بلاداً، بل فصائل وشعوب متناحرة إلى أن تفني بعضها بعضاً. سوريا لك السلام.