زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الرياض للمشاركة في النسخة التاسعة من مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" تحمل أبعاداً تتجاوز الرمزية السياسية. لقاءاته مع مسؤولين سعوديين كبار ورؤساء مؤسسات اقتصادية دولية، اعتبرها خبراء الاقتصاد في سوريا إعلاناً عن تحول في موقع سوريا الاقتصادي الإقليمي، ومحاولة لتقديمها كـ"وجهة استثمارية قيد البناء"، بدلاً من دولة تعاني تبعات الحرب.
الخبير الاقتصادي محمد غزال أكد أن الزيارة تمثل محطة مفصلية ورسالة مهمة، مشيراً إلى أن سوريا تتجه نحو بيئة استثمارية جديدة تقوم على الشراكة والانفتاح، لبناء سوريا ما بعد الحرب. وأضاف في تصريح لـ"سوريا 24" أن الزيارة تؤكد انتقال سوريا من مصدر للأزمات إلى دولة تسعى لبناء علاقات تقوم على مبدأ "صفر مشاكل"، مع إعطاء الأولوية للاقتصاد والاستثمار، والانتقال من مذكرات تفاهم إلى تنفيذ فعلي للاتفاقيات الاستثمارية.
كما أوضح أن الحضور السوري في المحافل الدولية يهدف إلى إظهار البلاد كوجهة جاذبة للاستثمار، مع بناء تدريجي لسمعة اقتصادية جديدة تؤكد استقرار البيئة السورية للمستثمرين. وأشار إلى توقيع 8 اتفاقيات بقيمة 8 مليارات ريال سعودي، ما يعكس تعزيز الثقة السعودية، خاصة مع مشاركة كبار المسؤولين ورعاية ولي العهد.
الدكتور معروف الخلف، رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في جامعة دمشق، يرى أن المشاركة تمثل رسالة إلى الداخل والخارج، وأن سوريا بدأت مرحلة جديدة قوامها الاقتصاد والتنمية، وأن الدولة ترى في الاستثمار محركاً أساسياً لتحقيق الاستقرار. ويضيف أن الزيارة تعكس تحولاً إقليمياً حيث تنظر دول عديدة إلى سوريا كفرصة اقتصادية مؤجلة، وأن الاقتصاد بات الدبلوماسية الجديدة لسوريا لاستعادة موقعها في المنطقة.
لكنه يحذر من تحديات البنية التحتية التشريعية والإدارية، مشيراً إلى أن جذب الاستثمارات يتطلب وضوح القوانين، وشفافية السوق، ومؤسسات قادرة على تأمين بيئة أعمال مستقرة وآمنة. ودعا إلى تطوير الخطاب الاقتصادي الرسمي في سوريا، وتعيين ناطق اقتصادي يوضح تفاصيل السياسات النقدية والمالية، ومعالجة ضبابية البيانات الاقتصادية.
الزيارة شهدت جلسة حوارية للرئيس الشرع حول مستقبل سوريا الاقتصادي، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ووزراء سعوديين. كما عقد لقاءات مع مسؤولين في مؤسسات سعودية كبرى مثل شركة STC، ومصرف الإنماء، والبنك السعودي الفرنسي، وشركة المراعي، وشخصيات مصرفية ورياضية دولية، منها رئيس FIFA، ورئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية. وتمحورت النقاشات حول فرص الاستثمار في سوريا وتفعيل التعاون الاقتصادي الثنائي.
على هامش الزيارة، أعلن مدير عام هيئة الطيران المدني السوري، عمر الحصري، عن مباحثات سورية–سعودية لتطوير المطارات وفتح خطوط نقل جوي مباشر. كما تم الإعلان عن اهتمام سعودي بتوسيع الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا، والبنى التحتية، والطاقة البديلة.
مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، الذي انطلق في 2017، يُعد من أبرز المحافل الاقتصادية الدولية التي تنظمها السعودية، ويجمع بين الاقتصاد، والابتكار، والحوكمة، ويتناول ملفات الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، والطاقة المتجددة، والتقنيات المالية، والحوكمة البيئية والاجتماعية، ويُلقب بـ"دافوس الصحراء".
زيارة الرئيس الشرع إلى الرياض حملت مضموناً اقتصادياً واضحاً، والتحدي يكمن في قدرة سوريا على ترجمة هذا الانفتاح السياسي إلى إصلاحات داخلية تعزز الثقة، وتؤسس لاقتصاد يستند إلى قواعد السوق، ويستوعب الاستثمارات في بيئة شفافة ومستقرة.