يمثل قطاع السياحة دعامة اقتصادية حيوية تضاهي أهمية الصناعة والزراعة، حيث يساهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتنشيط الخدمات المحلية، وتعزيز الإيرادات الوطنية من خلال الضرائب وعائدات القطع الأجنبي المتأتية من السياح الوافدين. يتميز ريف اللاذقية بإمكانات فريدة تجمع بين الساحل والغابات والجبال والسهول، مما يجعله مؤهلاً ليصبح نموذجًا للسياحة الريفية المستدامة إذا ما تم التخطيط والإدارة بشكل جيد.
تطوير السياحة البيئية: مقومات وفرص للاستدامة
تعتمد السياحة البيئية على الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، وإشراك المجتمع المحلي في العائدات واتخاذ القرارات. يوفر ريف اللاذقية مقومات نادرة لهذا النوع من السياحة، بما في ذلك الشواطئ الممتدة والجبال والمناخ المتنوع والينابيع والغابات والمواقع الأثرية القريبة، مما يتيح تقديم باقات سياحية متكاملة تجمع بين العلاج والتراث والبيئة والترفيه، مع الاستفادة من قدرات العنصر البشري المحلي على الابتكار والإنتاج.
أكد عبد الله حلاق، مدير الإعلام في وزارة السياحة، أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بالريف السياحي ضمن أولوياتها التنموية، من خلال دعم المبادرات الصغيرة وتحسين البنية التحتية وتقديم التسهيلات للمشاريع الفردية التي تخلق فرص عمل وتنشط القرى. وأضاف أن الوزارة تعمل على تنظيم مهرجانات للتعريف بالمناطق السياحية في سوريا، وتطوير خطط للترويج السياحي داخليًا وخارجيًا، وتشجيع الاستثمار في مختلف القطاعات، وتأهيل الكوادر السياحية لسوق العمل.
تحويل الإمكانات إلى أثر اقتصادي
لتحويل الموارد الطبيعية إلى أثر اقتصادي ملموس، شدد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الهادي الرفاعي على ضرورة اتباع مقاربة متعددة المحاور، من أهمها إعادة النظر في بعض القوانين والقرارات، وعلى رأسها المرسوم المتعلق بالاستملاك السياحي، الذي يشكل عائقًا أمام أي مبادرة تنموية أو استثمارية.
أوضح الرفاعي أن إعادة النظر في مرسوم الاستملاك تعتبر خطوة أساسية لنهوض الصناعة السياحية، وفتح المجال أمام المبادرات الصغيرة والمتوسطة، حيث أن الربط بين التشريعات والخطط الاقتصادية يفتح آفاق الاستثمار ويمنع جمود المشاريع الناتج عن القيود القديمة. وأضاف أن دعم المبادرات الفردية من خلال برامج التمويل المصغرة والإعفاءات المؤقتة والحوافز الضريبية للمبيت الريفي والمطاعم التقليدية، يساهم في إشراك الشباب والمجتمع المحلي، ويشجعهم على إقامة مشاريع صغيرة مستدامة.
أشار الرفاعي إلى أهمية تطوير البنية التحتية والخدمات، وتحسين شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والكهرباء في القرى، بالإضافة إلى تدريب الكوادر المحلية في الضيافة وإدارة الوجهات السياحية، باعتبارها حجر الزاوية لنجاح أي مشروع سياحي ريفي.
تنويع المنتجات السياحية
يجب إنشاء مسارات للمشي في الطبيعة، وتنظيم رحلات تعليمية زراعية، وتطوير السياحة العلاجية في المناطق الجبلية، واستثمار المواقع التاريخية، لتقديم باقات سياحية متكاملة على مدار العام.
ربط السياحة بالاقتصاد المحلي
أكد الرفاعي على أهمية دمج السياحة الريفية مع المنتجات الزراعية والخدمات البيئية، مما يحول الريف إلى رافد اقتصادي مستدام. وأوضح أن إدماج سلاسل الإنتاج مثل العسل والأعشاب الطبية والحرف اليدوية ضمن باقات سياحية متكاملة، يرفع دخل الأسر ويطور اقتصاد القرى بشكل مباشر وغير مباشر، ويضمن عجلة التنمية الريفية عبر مشاريع صغيرة ومتوسطة تعود بالنفع على السكان والدولة، وتحافظ على الطابع البيئي والتراثي للريف.
أبرز التحديات التي تواجه السياحة الريفية
تتمثل أبرز التحديات في ضعف الوصول إلى التمويل المناسب، وغياب برامج تدريبية مستدامة للمجتمعات المحلية، وعدم وجود استراتيجية تسويقية موحدة تستغل قنوات السياحة المحلية والدولية بشكل فعال.
توصيات عملية لتنشيط السياحة الريفية
شدد الرفاعي على أهمية مراجعة المراسيم المتعلقة بالاستملاك والسياحة ضمن فريق مشترك من الجهات الاقتصادية والمجتمع المدني، وإنشاء صندوق تمويل مصغر لدعم بيوت الضيافة والحرفيين الشباب مع آليات رقابية شفافة. وأكد على إقامة برامج تدريبية طويلة الأمد في الترويج وإدارة الوجهات السياحية مع شهادات معترف بها، وإطلاق خطة تسويق رقمية متكاملة تبرز التجارب الريفية المستدامة، موجهة إلى السياح العرب والأجانب والمحليين، مع التركيز على جميع المواسم لتقليل الموسمية. وأضاف أن إشراك المجتمع المحلي في تصميم المشاريع يضمن توافقها مع أنماط الحياة والحفاظ على الموارد.
يستطيع ريف اللاذقية أن يصبح نموذجًا عمليًا للسياحة الريفية المستدامة في الساحل السوري، شريطة ترجمة الإمكانات إلى سياسة واضحة، بنية تحتية متاحة، وتمويل ودعم قانوني ينتج مبادرات محلية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية