السبت, 8 نوفمبر 2025 07:37 PM

زيارة الشرع للبيت الأبيض: هل تفتح الباب أمام انضمام سوريا لاتفاقيات إبراهام وإلغاء قانون قيصر؟

زيارة الشرع للبيت الأبيض: هل تفتح الباب أمام انضمام سوريا لاتفاقيات إبراهام وإلغاء قانون قيصر؟

في خطوة تعتبر تحولاً جيوسياسياً غير مسبوق، من المقرر أن يزور الرئيس السوري أحمد الشرع البيت الأبيض في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، مما يضفي مزيداً من الشرعية الدولية على القيادة السورية الجديدة. تأتي هذه الزيارة ضمن سياق دبلوماسي حرج، حيث تمثل خطوة تمهيدية نحو توقيع اتفاق أمني حدودي مع إسرائيل، وهو هدف تسعى واشنطن لتحقيقه قبل نهاية العام الجاري.

تعتبر دمشق أن أولويتها القصوى هي تأمين الدعم لإلغاء "قانون قيصر"، الأمر الذي يفتح الباب أمام الاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا. السؤال المطروح هو: هل زيارة الشرع للبيت الأبيض تعني دخول سوريا "نادي اتفاقيات إبراهام"؟

الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام يفرض على دمشق ثمناً جيوسياسياً كبيراً، يتمثل في التخلي الفعلي عن المطالبة بعودة مرتفعات الجولان إلى السيادة السورية، بالإضافة إلى الصدام المحتمل مع ما تبقى من المحور الإيراني على جانبي الحدود (لبنان والعراق). هذا الأمر يتطلب من دمشق تحقيق توازن دقيق بين المتطلبات الأمنية الإسرائيلية – الأميركية والسيادة الوطنية.

تتركز أجندة زيارة 10 نوفمبر على ملفين رئيسيين: الملف الأمني، حيث من المتوقع أن يوقع الشرع اتفاقية رسمية تضفي الطابع الرسمي على عضوية سوريا في التحالف الدولي لمكافحة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة؛ والملف الاقتصادي، حيث تسعى دمشق لمناقشة إعادة الإعمار وطلب الدعم الأميركي لرفع العقوبات المتبقية.

في قائمة الأهداف الضمنية، يبرز مسار التطبيع مع إسرائيل. ففي اجتماعهما الأول في الرياض، حثّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشرع على الانضمام إلى "اتفاقيات إبراهام". اليوم، تكمن أولوية واشنطن في توقيع اتفاق أمني سوري – إسرائيلي حدودي بحلول نهاية العام الجاري. ومن المتوقع عقد الجولة الخامسة من المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل بعد الزيارة، مما يشير إلى أن الزيارة ليست محطة نهائية، بل محطة انطلاق للمفاوضات المباشرة.

يتم استخدام رفع العقوبات الأممية كرافعة سياسية مبكرة لضمان استمرار المفاوضات وتلبية المطالب الأمنية الأميركية – الإسرائيلية كشرط للمضي قدماً في إلغاء "قانون قيصر". وبالتالي، فإن التسلسل المتوقع هو رفع العقوبات (الرافعة) – توقيع اتفاق مكافحة "داعش" (بناء الثقة) – مفاوضات مباشرة تُفضي إلى اتفاق أمني حدودي – احتمال الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية (هدف نهائي).

لا يوجد ما يشير إلى أن الشرع سيعلن الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية في البيت الأبيض، ولكن المصادر تشير إلى أن الزيارة مخصصة لتثبيت التزام سوريا بالجهود الأمنية الدولية وعقد الجولة التالية من المفاوضات المباشرة بعد الانتهاء من الزيارة.

يواجه الشرع تحدياً مهماً يتمثل في التناقض بين الأساس التاريخي للسياسة الخارجية السورية والمبدأ الذي تقوم عليه الاتفاقيات الإبراهيمية. فقد تمسكت دمشق دائماً بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان المحتلة منذ 1967، وفقاً لمبدأ "الأرض مقابل السلام" والقرار الأممي 242. في المقابل، تركز "اتفاقيات إبراهام" على التعاون الاقتصادي والأمني والدبلوماسي مع إسرائيل من دون أن تفرض عليها انسحاباً من أي أراض.

هذا التباين يضع القيادة السورية الانتقالية في موقف حرج: فالتخلي عن الجولان يغير مكانة دمشق في المشهد الإقليمي، ويفقدها ورقة قومية كبرى، وهذا يعني إعادة كتابة العقد الاجتماعي للقيادة الجديدة مع الشعب مقابل فتح أبواب التمويل الغربي، أي دفع ثمن سياسي – سيادي مقابل الكسب الاقتصادي.

تبقى مرتفعات الجولان عقبة عسكرية ومائية حرجة أمام أي اتفاق سلام شامل، إذ ترى فيها إسرائيل هضبة حيوية لأمنها القومي. سورياً، رغم الانتقاص الغربي من أهمية هضبة الجولان الجيوستراتيجية، فإنها تبقى موقعاً حاسماً في قضايا الحرب والسلام بالشرق الأوسط. والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم يعني القبول بتجميد المطالبة بهذه الأصول الاستراتيجية مقابل مكاسب أخرى.

قد يواجه التطبيع من دون الجولان رفضاً واسعاً في الشارع السوري، كما يمكن فصائل جهادية سورية أن تستغل القضية لإعادة التعبئة العسكرية ضد القيادة الانتقالية، واتهامها بالتفريط بالحقوق العربية والإسلامية.

إن الحاجة السورية إلى التعافي الاقتصادي هو الدافع الأول لانخراط دمشق في مسار التطبيع مع إسرائيل بقيادة واشنطن، بعدما أدت الحرب التي استمرت أكثر من 14 عاماً والعقوبات المشددة إلى انهيار الاقتصاد السوري. فرفع العقوبات يسهل استقطاب التمويل والاستثمار الأجنبي وعودة رجال الأعمال، وخصوصاً "قانون قيصر". وتتطلع سوريا إلى فرصة تاريخية لإعادة بناء دولة حديثة، مع إمكانات استراتيجية واعدة في قطاعات الطاقة، ولا سيما النفط والغاز.

يُعد هذا التدفق المالي المنتظر السلاح الأقوى في يد واشنطن وحلفائها الإقليميين. فالتمويل الدولي المرتبط بعملية السلام يستدعي "شفافية مطلقة"، وهذا يوجه ضغطاً كبيراً على حكومة دمشق لمكافحة الفساد الذي نخر هيكل الدولة في العهد السابق، ويستمر في التفشي اليوم. وربط رفع العقوبات والمساعدات بتقديم ضمانات للشفافية وتطبيق إجراءات مكافحة الفساد يضمن أن التمويل سيستخدم بكفاءة في إعادة الإعمار، وهذا قد يعد مبرراً – لو ضعيفاً – للتضحية السياسية المتمثلة في تخلٍّ مؤقت عن المطالبة بالجولان.

بسبب حاجة سوريا الماسة لإعادة الإعمار والاستثمار، ليس التطبيع مع إسرائيل غاية سياسية، بل شرط أول لفتح مزاريب التمويل. وبالتالي، الانهيار الاقتصادي السوري يدفع نحو الحاجة لرفع قانون قيصر الذي يرتبط مباشرة بالالتزامات الأمنية والجيو-سياسية (مثل التطبيع)، وهذا يدفع القيادة الجديدة لتقديم ضمانات تتعلق بالشفافية ومكافحة الفساد.

مشاركة المقال: