الإثنين, 10 نوفمبر 2025 02:49 AM

زيارة الشرع إلى واشنطن: هل تنجح سوريا في كسر عزلتها الدولية وتجاوز العقوبات؟

زيارة الشرع إلى واشنطن: هل تنجح سوريا في كسر عزلتها الدولية وتجاوز العقوبات؟

في ثالث لقاء مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وثاني زيارة إلى الولايات المتحدة، يحمل الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن في 10 من تشرين الثاني الحالي، ملفات مهمة لمناقشتها مع ترامب. وستركز الزيارة على بحث مسألة رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وفقًا لما صرح به مستشار الرئيس السوري، أحمد موفق زيدان.

تحاول عنب بلدي في هذا الملف استكشاف تأثيرات هذه الزيارة على العلاقات مع روسيا والصين، ومناقشة مسارات الاتفاق الأمني المحتمل مع إسرائيل، بالإضافة إلى تحديد دور "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في المرحلة المقبلة، خاصة مع توقعات بتوقيع الشرع على اتفاق للانضمام إلى التحالف الدولي الذي يهدف إلى محاربة تنظيم "الدولة" في سوريا ودعم "قسد" في هذه المهمة.

علاقات دمشق- واشنطن.. تاريخ مليء بالتقلبات

وفقًا للمؤرخ السوري سامي المبيض، تعلم السوريون أصول اللعبة السياسية مع الولايات المتحدة بين عامي 1949 و1970 بطريقة صعبة، من خلال التجربة والخطأ. ويشير المبيض في كتابه "سوريا والولايات المتحدة.. من ويلسون إلى أيزنهاور" إلى أن النوايا الحسنة والسياسة النبيلة لم تكن كافية لبناء علاقة سورية- أمريكية سليمة.

ويوضح المبيض أن الولايات المتحدة كانت حاضرة في المشهد السوري بكل تعقيداته وتجاذباته خلال فترة الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفييتي، وسياسة الأحلاف مثل حلف بغداد. ويذكر الكتاب أن واشنطن حاولت طيلة تلك الفترة إبعاد سوريا عن المعسكر السوفييتي- الشيوعي من خلال دعم الانقلابات وتحسين صورتها في سوريا عبر استمالة الشباب والمثقفين، إلا أن هذا لم يتحقق بسبب دعم واشنطن المستمر لإسرائيل.

وصف الباحث في "المركز العربي للدراسات بواشنطن" رضوان زيادة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن بأنها "تغير كبير" في طبيعة العلاقات السورية- الأمريكية، بعد أن كانت سوريا مُدرجة على قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر زيادة أن "تطبيع العلاقات السوريةـ الأمريكية" أمر مهم، مشيرًا إلى أن سوريا تحتاج إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى للمساهمة في إعادة الإعمار، وبالتالي تحتاج إلى ترميم علاقاتها مع المجتمع الدولي، وخاصة مع الولايات المتحدة بشكل رئيس.

يرى الصحفي السوري المقيم في الولايات المتحدة، محمد عبد الرحيم، أن زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، تبدو "خطوة مهمة" لما يحيط بها من أمور كانت تبدو "سريالية" قبل وقت قصير. وبحسب ما قاله عبد الرحيم في حديث إلى عنب بلدي، فإن الزيارة تحمل معاني متعددة، ليس فقط باعتبار الرئيس الشرع أول رئيس سوري يزور واشنطن، بل بالنظر إلى ماضيه الذي كان معادياً للولايات المتحدة في سوريا والمنطقة.

وقال: "إلى وقت قصير، كانت الولايات المتحدة قد رصدت عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمكان الشرع، ويوم الاثنين المقبل ستتعرف واشنطن إلى مكان وجوده، إنه في 1600 شارع بنسلفانياـ واشنطن- البيت الأبيض".

عقوبات "قيصر" هدف رئيس

تتناول الزيارة، بحسب مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، أحمد موفق زيدان، عدة ملفات، في مقدمتها "رفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون (قيصر)، والدور المنتظر من إدارة الرئيس ترامب في دعم هذا المسار". وأشار زيدان، في حوار مع قناة "العربية"، إلى أن "الدعم العربي والخليجي، ولا سيما من المملكة العربية السعودية والأمير محمد بن سلمان، أسهم بشكل كبير في إقناع الولايات المتحدة بضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا"، مثمنًا دور الأردن وقطر والإمارات وتركيا في دعم هذا التوجه العربي الموحد".

قانون "قيصر" هو مشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي في 15 من تشرين الثاني 2016، ووقّع عليه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 21 من كانون الأول 2019 (خلال ولايته الأولى).

اعتبر الباحث السوري رضوان زيادة أن الزيارة تمثل "خطوة متقدمة في مسألة رفع العقوبات"، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تدعم إزالة قانون "قيصر" بشكل رئيس، معتبرًا أن هذا الدعم يضغط على الكونجرس الأمريكي لإزالة العقوبات نهاية العام. وعلى الجانب الآخر، تبدو الفرصة أمام سوريا من خلال هذه الزيارة "لا تعوض"، وفقًا للصحفي السوري محمد عبد الرحيم. ويرى عبد الرحيم أن سوريا التي تحتاج إلى الأموال لإعادة الإعمار لن تحصل عليها ما لم تتم إزالة "قيصر"، لذلك فإن الفرصة لن تكون طويلة لتحقيق "إنجازات في هذا الملف".

ويعود ذلك، بحسب الصحفي المقيم في الولايات المتحدة، إلى أن "الطريقة التي تسير بها الأمور في الولايات المتحدة قبل عدة أشهر من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس تقول إن أوضاع الإدارة الجمهورية سيئة". وأضاف عبد الرحيم: "إذا عاد الديمقراطيون للسيطرة على الكونجرس سيعطلون كل مشاريع الرئيس حتى نهاية ولايته. يعني أمامنا أقل من عام لتحقيق الاستقرار في سوريا، عبر رفع العقوبات".

في 31 من تشرين الأول الماضي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تدعم إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون "قيصر" من خلال مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الذي يناقشه المشرعون الأمريكيون. وأضاف أن الولايات المتحدة على تواصل منتظم مع شركائها في المنطقة، وترحب بأي استثمار أو مشاركة في سوريا بما يدعم إتاحة الفرصة لجميع السوريين في بناء دولة يسودها السلام والازدهار، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز".

الرئيس السوري أحمد الشرع يبحث مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى جانب وفد حكومي أمريكي في نيويورك موضوع رفع العقوبات – 22 أيلول 2025 (رئاسة الجمهورية السورية)

الانضمام للتحالف الدولي فرصة لدمشق.. معادلة جديدة لـ"قسد"

ستكون سوريا العضو رقم 90 في "التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، حال توقيع الرئيس الشرع على اتفاقية الانضمام خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن. تشكّل التحالف بقيادة الولايات المتحدة في أيلول 2014، ويضم في عضويته اليوم 89 عضوًا من بينها 36 دولة أوروبية، و11 دولة عربية، وشركاء آخرون مثل "الإنتربول"، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجامعة الدول العربية.

وبحسب ورقة لمركز "جسور للدراسات"، فإن الانضمام سيساهم في حل مشكلة مناطق شمال شرقي سوريا، وإعادة "بسط سلطة الدولة، ونشر مؤسساتها فيها، وسيطرتها على حدودها الدولية"، حيث ستفقد "قسد" ميزة كونها الشريك السوري الوحيد للتحالف، ونقل الشراكة للحكومة.

اعتبر الباحث السوري سمير العبد الله أن انضمام سوريا للتحالف الدولي يُعد بمثابة "اعتراف دولي بشرعية الحكومة السورية الجديدة، وتأكيد على انتقالها إلى موقع الشراكة الأمنية والسياسية". ويعكس هذا الانضمام، وفق ما قاله العبد الله لعنب بلدي، "إعادة تموضع سوريا ضمن المنظومة الغربية بعد أن كانت لسنوات مرتبطة بالمحور الروسي- الإيراني"، وهذا ما يعني عمليًا "بداية مرحلة جديدة من الترتيبات الأمنية الإقليمية"، ويُؤهل سوريا لاستعادة دورها في ملفات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب.

ويرى الباحث السوري أن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي يضع "قسد" أمام معادلة جديدة تمامًا. فبعد أن كانت "قسد" الحليف الميداني الأبرز للتحالف، ستجد نفسها الآن "مهددة بفقدان احتكارها للعلاقة السياسية والعسكرية معه"، وهذا يعني تراجع "الدور المستقل" لـ"قسد" كقوة محلية تدير مناطق شرق الفرات.

يرى الباحث السوري سمير العبد الله أن إنهاء دور "قسد" لن يكون فوريًا أو كاملًا، لأن التحالف وعلى رأسه الولايات المتحدة لا يزال يُقدّر كفاءتها القتالية ويخشى أن "يؤدي تهميشها السريع إلى اضطرابات أمنية شرق الفرات". لذلك، من المتوقع بحسب العبد الله أن تسعى واشنطن إلى لعب دور الوسيط بين "قسد" ودمشق لضمان عملية دمج تدريجي ومنضبط لها ضمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة.

ورسم الباحث السوري سمير العبد الله مسارين للمستقبل السياسي لـ"قسد" في ضوء انضمام سوريا للتحالف الدولي، الذي وصفه بـ"نقطة تحول استراتيجية في المشهدين السياسي والأمني للبلاد".

  • مسار الاندماج وفق اتفاق 10 من آذار (السيناريو الأرجح): يتم بموجبه دمج وحدات "قسد" ضمن الجيش الوطني الجديد مع ضمان تمثيل سياسي وإداري لـ"قسد" في مؤسسات الحكم المحلي، برعاية وضمانات أمريكية، هذا السيناريو يحافظ على استقرار شرق الفرات ويمنح "قسد" دورًا مؤسسيًا داخل الدولة الجديدة.
  • مسار الصدام (السيناريو الأقل احتمالًا): قد يحدث إذا شعرت "قسد" أن انضمام دمشق إلى التحالف يُستخدم كذريعة لتصفية وجودها السياسي والعسكري دون ضمانات، خاصة إذا مارست دمشق ضغوطًا لحلها قسرًا، إلا أن هذا الاحتمال يبقى ضعيفًا، لأن التحالف سيحرص على منع الصدام المباشر، وسيدفع الأطراف نحو تسوية تدريجية تقوم على شراكة ثلاثية (دمشق- قسد- التحالف) تضمن الاستقرار وتعيد هيكلة المشهد الأمني السوري.

قوة عسكرية ونفوذ

يرى الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع" (مسداد) معتز السيد أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة" سيمنح الجيش السوري فرصة لتطوير قدراته عبر الاستفادة من الخبرات التقنية والاستخبارية المتقدمة التي يمتلكها التحالف، خصوصًا في مجالات الاستطلاع الجوي والمراقبة الإلكترونية. ويضيف السيد أن هذا التعاون سيعزز من قدرة سوريا على "ضبط الحدود، وملاحقة الخلايا الإرهابية، ويعيد الثقة بمؤسساتها العسكرية التي يتم بناؤها حديثًا".

على الرغم من تعاون الحكومة السورية مع التحالف الدولي في ثلاث عمليات ضد تنظيم "الدولة"، فإن تقريرًا لمعهد "الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في واشنطن" يرى أنه إضافة للفوائد المنتظرة فإن هناك عقبات تواجه هذا الانضمام، وتدركها دمشق. ومن هذه العقبات:

  • وزارة الدفاع السورية لا تزال في مرحلة تكوينية من تطورها المؤسسي.
  • عملية التجنيد في الجيش تعاني من محدودية القدرة على إجراء تحريات سليمة عن خلفيات المنضمين الجدد.
  • ضعف عام في القدرات العسكرية.
  • غياب الاتفاق مع "قسد"، إذ لا يزال من الصعب تنفيذ عمليات منفصلة والتنسيق متعدد المستويات مع قوات مختلفة تشهد توترات وتعمل ضمن مناطق جغرافية متداخلة.
  • مخاوف من تسرب المعلومات الاستخباراتية المشتركة بين دمشق والتحالف إلى "الفصائل المتطرفة" داخل الجيش السوري، خصوصًا أن هناك مقاتلين أجانب في الجيش السوري.

ويرى الباحث معتز السيد أن الطرح الذي يشير إلى ضعف القدرات العسكرية أو هشاشة وزارة الدفاع يتجاهل حقيقة أن "الجيش السوري الحالي قد خاض معارك شرسة ضد الإرهاب سابقًا في مناطقه، وحافظ على مؤسسات الدولة رغم الظروف القاسية"، مشيرًا إلى أنه تقييم سياسي أكثر منه عسكريًا. وأما المخاوف المتعلقة بتسرب المعلومات، فاعتبر الباحث في مركز "مسداد" أنها "أمر مبالغ فيه"، معتقدًا أن الأجهزة الأمنية في سوريا "قادرة على حماية أي تعاون استخباراتي". وأشار إلى أن الثقة "بدأت تتشكل تدريجيًا" بعد تنفيذ عمليات مشتركة على الأرض حتى قبل الإعلان الرسمي عن الانضمام، وهو ما يعكس جدّية الطرفين في بناء شراكة قائمة على المصالح المشتركة لا على الشكوك، وفق قوله.

وبالنسبة لـ"قسد"، يرى الباحث معتز السيد أن الحكومة ستعمد إلى دمجها ضمن مؤسسات الدولة، سواء بترتيبات أمنية محلية، أو إدخال عناصرها إلى الجيش السوري، بعد عمليات "تدقيق وتصفية". ومع ذلك، تدرك الحكومة الدور المحوري لـ"قسد" في محاربة تنظيم "الدولة"، وتثمين التحالف لهذا الدور، بحسب السيد. وقال الباحث، إنه خلال المفاوضات، طرحت "قسد" فكرة إنشاء لواء مستقل يعمل تحت راية التحالف في مهام مكافحة الإرهاب، مع الاحتفاظ بخصوصية بعيدة عن هياكل الدولة، مضيفًا: "أعتقد أن دمشق تنظر لهذا الطرح بحذر، إذ تراه محاولة لإبقاء (قسد) خارج السيطرة الكاملة للدولة، لكنها تدرك أيضًا أن هذا الترتيب قد يكون مقبولًا مرحليًا إذا ضمن استمرار الضغط على تنظيم (الدولة) وخدمة مصلحة مشتركة مع التحالف".

اتفاق أمني مع إسرائيل.. فرصة لأمريكا قبل سوريا

توقع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، عقد جولة خامسة من المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وسوريا، بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد زيارة الشرع إلى واشنطن، خلال حديثه عن أهمية الزيارة إلى موقع "أكسيوس". وتهدف الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق أمني على الحدود بين البلدين بحلول نهاية العام الحالي، وفق المبعوث الأمريكي.

يرى الصحفي المقيم في الولايات المتحدة محمد عبد الرحيم أن واشنطن تحتاج إلى تعزيز العلاقات مع سوريا من أجل الحفاظ على "الزخم" الذي أنتجته مبادراتها في الشرق الأوسط (التوصل إلى اتفاق في غزة، قصف البرنامج النووي الإيراني، هزيمة "حزب الله " في لبنان)، إذ إن هزيمة المشروع الإيراني في المنطقة سيخلق فراغًا تملؤه قوى أخرى ما لم تتدخل واشنطن. وقال عبد الرحيم إن المبادرة تجاه سوريا وتوقيع الاتفاق الأمني مع إسرائيل وكذلك انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ستصب بتقريب دمشق من "الاتفاقات الإبراهيمية" وبالتالي المنطقة، مما يعني "تحقيق نجاح في السياسة الخارجية الأمريكية يحجب الأنظار عن مشكلات السياسة الداخلية الأمريكية".

يتوقع الباحث في مركز "جسور للدراسات" محمد سليمان أن تتخلل الزيارة جلسات وجولات حوارية تهدف إلى التوصل إلى صيغة أو رؤية لمسودة اتفاقيات أمنية تضمن الحفاظ على السيادة السورية، وتحد من التدخلات الإسرائيلية في الشأن السوري الداخلي. وتبقى أبرز العقبات التي تحول دون تحقيق تقدم ملموس نحو اتفاق، بحسب ما قاله سليمان لعنب بلدي:

  • استمرار الانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
  • إنشاء نقاط عسكرية جديدة.
  • رفض العودة إلى اتفاق عام 1974.
  • دعم فصائل مسلحة في الجنوب السوري بالسلاح والذخيرة والمال واللوجستيات.

ويرى الباحث في مركز "جسور" أن إسرائيل تنظر إلى الوضع السوري على أنه "ضعيف ولا يسمح بإبرام اتفاق سلام أو خفض للتصعيد"، كما تفسر تل أبيب عدم الرد العسكري السوري على انتهاكاتها بأنه دليل على "ضعف وليس حرصًا على تجنب الانخراط في مواجهة عسكرية واسعة". وربما توجد رغبة أمريكية "حقيقية" في الضغط على إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام أو اتفاق خفض تصعيد، يوقف عمليات التوغل الإسرائيلية مؤقتًا حتى تهيئة الظروف لعقد "اتفاقيات أشمل"، غير أن ذلك يتطلب، وفق الباحث محمد سليمان، "وقتًا طويلًا".

ويرى سليمان أن سوريا لا تستطيع في ظل "الظروف الراهنة" إبرام أي اتفاق من هذا النوع إلا بوجود أطراف دولية ضامنة قادرة على إلزام إسرائيل بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وقال الرئيس السوري، أحمد الشرع، في مقابلة مع شبكة "CBS" الأمريكية، إن على إسرائيل العودة عن أي نقطة تقدمت إليها بعد 8 من كانون الأول 2024، معتبرًا أن ذلك هو "الوضع الطبيعي"، وأن سوريا "لم تقم بأي استفزازات تجاه إسرائيل منذ وصول الحكومة الحالية إلى دمشق"، بل أعلنت بوضوح أنها "لن تكون منصة لتهديد أي دولة مجاورة، بما في ذلك إسرائيل".

سوريا.. شرقية أم غربية

يرى الباحث في "المركز العربي للدراسات بواشنطن" رضوان زيادة أنه لا يمكن لسوريا الجديدة أن تتبنى سياسة "صفر مشاكل"، على اعتبار أنها كانت في المعسكر الشرقي وعلى رأسه روسيا والصين إلى جانب إيران، خصوصًا أن روسيا وإيران كانتا جزءًا من المشكلات. واعتبر زيادة أن الشيء الطبيعي أن تعمل سوريا على تغيير تحالفاتها الاستراتيجية. وزار الرئيس السوري، أحمد الشرع، روسيا والتقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حيث اعتبر الشرع أن سوريا وروسيا تجمعهما "علاقات جادة". وعقب الزيارة إلى روسيا بأيام، أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إجراء زيارة رسمية إلى بكين.

على الجانب الآخر، لا يعتقد الصحفي السوري محمد عبد الرحيم أن سوريا ستنتقل من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي، قائلًا: "نحن لسنا في زمن الحرب الباردة". وأضاف أن ما يُعرف بالمعسكر الغربي يعاني منافسة شديدة من روسيا والصين والهند ولا يعنيه إلا موضوع اللاجئين لوقف تقدم اليمين المتطرف. وأشار عبد الرحيم إلى العلاقات الجيدة مع موسكو على المستوى التجاري والعسكري، ورفض سوريا سياسة الأحلاف التي فرضتها الولايات المتحدة في الخمسينيات، مثل "مشروع أيزنهاور" و"حلف بغداد".

وقال: "قدر سوريا أن تناور بين الكبار وألا تلتحق بأحدهم، وليس من الحكمة الالتحاق بمعسكر لم يعد موجودًا وليس لديه شيء ليقدمه".

يعتقد الباحث الروسي ديمتري بريجع أن روسيا تدرك جيدًا الأهمية الجيوسياسية لسوريا في الحفاظ على توازن علاقاتها في الشرق الأوسط، ولذلك فهي تنظر إلى زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن بـ"برودة محسوبة لا تخلو من المتابعة الدقيقة". وقال بريجع إن روسيا ترى أن انفتاح سوريا على الغرب "لا يمكن أن يكون على حساب التحالف الاستراتيجي الذي تأسس بين البلدين منذ عقود". غير أن روسيا "حاولت في حقبة التسعينيات بناء العلاقات مع الغرب لكن فشل الأمر، ونجاح سوريا في بناء علاقات متوازنة سوف يعطي الكثير من الفرص"، وفق الباحث الروسي ديمتري بريجع.

وأشار إلى أن روسيا تحترم سيادة الدولة السورية، وتستند في ذلك إلى الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، والتي تضمن بقاء العلاقة في إطار من الالتزام والتنسيق لا التبعية. وفيما يخص العلاقات السورية مع الصين، يرى الباحث الروسي أن تطور علاقات دمشق مع واشنطن "لا يعني بالضرورة تراجعها مع الصين"، ذلك أن السياسة الخارجية السورية بعد الحرب باتت أكثر "براغماتية وتعددية الاتجاهات"، بحسب تعبيره.

وباعتقاد بريجع، فإن دمشق تحاول اليوم "الموازنة بين القوى الكبرى للاستفادة من كل طرف دون الدخول في محاور مغلقة"، مشيرًا إلى انتهاجها سياسة "الانفتاح المتعدد" على أن تبقى شراكتها مع موسكو وبكين ركيزة ثابتة، لما تمثله من ضمانة سياسية وأمنية أمام أي ضغوط غربية مستقبلية.

مشاركة المقال: