الإثنين, 10 نوفمبر 2025 11:47 AM

التحالف الدولي في سوريا: من مكافحة داعش إلى بناء توازنات جديدة ونفوذ دائم

التحالف الدولي في سوريا: من مكافحة داعش إلى بناء توازنات جديدة ونفوذ دائم

غرفة الأخبار – نورث برس

منذ خريف عام 2014، حين أعلن الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما عن تشكيل "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش"، تركز الاهتمام على العراق وسوريا، حيث توسع التنظيم وسيطر على مناطق واسعة. لم يكن دخول التحالف إلى الصراع السوري مجرد حملة عسكرية محدودة، بل تحول تدريجياً إلى مشروع استراتيجي شامل أعاد رسم خريطة النفوذ وأعاد تعريف مفهوم "الشراكات المحلية" داخل سوريا.

النشأة والتأسيس: الحرب على الخلافة المزعومة

في سبتمبر 2014، تم الإعلان رسمياً عن تأسيس التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بمشاركة أكثر من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة. بدأت الضربات الجوية الأولى ضد مواقع التنظيم في العراق وسوريا بهدف وقف تقدمه السريع. لكن التحالف أدرك سريعاً أن الضربات الجوية وحدها غير كافية، وأن الحاجة إلى حليف محلي على الأرض ضرورية، فبدأ العمل على إيجاد قوة ميدانية منظمة قادرة على القتال والاستقرار في المناطق المحررة.

معركة كوباني: الولادة الحقيقية للتحالف في سوريا

في نهاية عام 2014، شهدت مدينة كوباني في ريف حلب الشمالي الشرقي أول اختبار حقيقي للتحالف. حاصر تنظيم "داعش" المدينة، وخاض مقاتلو وحدات حماية الشعب والمرأة معارك شرسة ضد التنظيم في الشوارع القليلة المتبقية تحت سيطرتهم، فتدخل التحالف الدولي بضربات جوية مكثفة غيرت ميزان المعركة. في يناير 2015، أُعلن رسمياً عن تحرير كوباني، لتصبح رمزاً لبداية التعاون الميداني بين التحالف والقوات الكردية، ونقطة انطلاق لتوسيع الدور الدولي في الداخل السوري.

من وحدات الحماية إلى قوات سوريا الديمقراطية. في أكتوبر 2015، أعلن التحالف دعمه لتشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو تحالف عسكري ضم مكونات كردية وعربية وسريانية بقيادة وحدات حماية الشعب والمرأة. أراد التحالف من قسد أن تكون شريكاً موثوقاً في الحرب البرية ضد "داعش"، فقدم لها دعماً عسكرياً ولوجستياً ومالياً ضخماً، شمل:

  • برامج تدريب وتسليح بإشراف مستشارين أميركيين وفرنسيين.
  • تمويل سنوي بمئات الملايين من الدولارات لتغطية الرواتب والنفقات التشغيلية.
  • تجهيزات مراقبة واتصال حديثة لضبط الأمن في مناطق السيطرة.
  • حماية حقول النفط في الرميلان والعمر والشدادي وكونيكو لضمان التمويل الذاتي لقسد ومنع عودة "داعش".

بفضل هذا الدعم، تحولت "قسد" إلى إحدى أبرز القوى العسكرية في سوريا، وباتت تمثل الذراع المحلية للتحالف الدولي.

معارك التحرير الكبرى: من الرقة إلى الباغوز

واصل التحالف عملياته الجوية والبرية دعماً لقسد، وكانت معركة الرقة عام 2017 مفصلية، إذ انتهت بطرد "داعش" من عاصمته المعلنة. ثم تتابعت العمليات نحو دير الزور وريفها الشرقي حتى مارس 2019، عندما سقط آخر معقل للتنظيم في الباغوز، وانتهت ما سُميت بـ "دولة الخلافة". ورغم ذلك، لم ينسحب التحالف من سوريا، بل أعاد تعريف مهمته من "مكافحة الإرهاب" إلى "منع عودته"، وهو ما برر استمرار وجوده العسكري.

تثبيت النفوذ

على مدار الأعوام اللاحقة، أنشأ التحالف شبكة من القواعد والنقاط العسكرية في مناطق شمال وشرق سوريا، أبرزها:

  • قاعدة كوباني (مطار روباريا) ـ مركز رئيسي للقيادة والعمليات الجوية.
  • تل البيدر بريف الحسكة ـ قاعدة للتدريب والمراقبة.
  • منبج وعين دادات ـ نقاط متقدمة للعمليات المشتركة.
  • قاعدة إثريا ـ دعم لوجستي وتحرك نحو البادية.
  • القامشلي والرقة ـ مراكز استخبارات ومتابعة أمنية.

عززت الولايات المتحدة وجودها بشكل دوري عبر قوافل إمداد عسكرية من العراق، مع تحديث مستمر للبنى اللوجستية والمراقبة الجوية.

مع تراجع خطر "داعش" المباشر، تحول دور التحالف تدريجياً من عسكري صرف إلى دور سياسي واستراتيجي. بدأت واشنطن بإدارة تفاهمات مع أطراف محلية، بينها "قسد" والحكومة السورية الانتقالية عبر قنوات غير رسمية، سعياً إلى تحقيق توازن يضمن استمرار النفوذ الأميركي مع الحفاظ على استقرار نسبي في المناطق المحررة. كما شارك التحالف في وساطات سياسية متعلقة بإدارة الموارد النفطية، وترتيب العلاقة بين دمشق وقسد، ضمن ما يُعرف بـ "المسار الأمني الشرقي"، الذي يُشرف عليه دبلوماسيون أميركيون وفرنسيون.

ريف دمشق: التحول الميداني الجديد

في عامي 2024 و2025، بدأت أنشطة جديدة للتحالف في ريف دمشق، حيث نُفّذت عمليات إنزال جوية محدودة في مناطق الضمير والقلمون، استهدفت خلايا نائمة لتنظيمات متشددة. لكن التطور الأبرز تمثل في مفاوضات سرية بين التحالف والحكومة السورية الانتقالية حول إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في محيط العاصمة دمشق. المشروع الذي بدأ الحديث عنه في أغسطس 2025، يهدف ـ بحسب تقارير صحفية ـ إلى مراقبة الجنوب السوري وتأمين الترتيبات اللوجستية والإنسانية، في إطار تفاهم أوسع ترعاه واشنطن بين دمشق وإسرائيل. ورغم نفي وزارة الخارجية السورية "وجود قاعدة أميركية رسمية"، فإن المؤشرات الميدانية تشير إلى بدء تجهيزات فنية في إحدى القواعد الجوية بالعاصمة.

بوابة نحو الشرعية الدولية

تسعى الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع إلى الانضمام الرسمي للتحالف الدولي، مدفوعة بعدة أهداف رئيسية:

  • الحصول على دعم عسكري وأمني لمواجهة بقايا داعش والتنظيمات المتطرفة.
  • تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من خلال الشراكة مع التحالف.
  • تثبيت الشرعية الدولية للحكومة الجديدة كممثل معترف به من القوى الغربية.
  • دمج قوات قسد ضمن المؤسسة العسكرية السورية ضمن هيكل وطني منضبط.

في المقابل، ينظر التحالف إلى الحكومة الانتقالية باعتبارها شريكاً سياسياً محتملاً يمنح وجوده في سوريا غطاءً قانونياً ويتيح له لعب دور مباشر في رسم مستقبل البلاد.

الاقتصاد والنفط: بعد استراتيجي طويل الأمد

إلى جانب البعد العسكري والسياسي، لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادي لدور التحالف. فالمناطق الواقعة تحت نفوذ قسد والتحالف تضم معظم الثروات النفطية السورية، وهو ما مكّن التحالف من التحكم جزئياً في اقتصاد الحرب. كما بدأ برنامج تدريجي لتخفيف العقوبات عن مناطق شمال وشرق سوريا لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية الصغيرة، في خطوة تُعدّ اختباراً عملياً لإمكانية توسيع هذه التجربة إلى باقي مناطق البلاد تحت إشراف الحكومة الانتقالية.

نحو شراكة أمنية وسياسية شاملة

وفق الخطط الجارية حتى أواخر 2025، تتجه واشنطن إلى إعادة هيكلة وجودها في سوريا عبر دمج جهودها مع الحكومة الانتقالية وقسد ضمن إطار واحد، يشمل:

  • إنشاء غرف عمليات مشتركة لإدارة الأمن ومكافحة الإرهاب.
  • الإشراف على اتفاقات الهدنة والحدود مع الأطراف الإقليمية.
  • تنسيق الجهود في ملف إعادة الإعمار وتدفق المساعدات الإنسانية.

هذه التوجهات تمهد لمرحلة جديدة عنوانها "التحالف من أجل استقرار سوريا"، وهي رؤية تعكس انتقال التحالف من حالة الحرب إلى بناء منظومة أمنية وسياسية طويلة الأمد.

خلال أكثر من عقد، انتقل التحالف الدولي في سوريا من حملة عسكرية طارئة إلى مشروع استراتيجي معقّد يتقاطع فيه الأمن بالسياسة والاقتصاد. ومع اقتراب دخول الحكومة السورية الانتقالية في صفوفه، يبدو أن التحالف يتجه نحو ترسيخ وجوده كفاعل رئيسي في مستقبل البلاد، ليس بوصفه قوة عسكرية فحسب، بل كإطار دولي يرعى إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة بين الاستقرار، والسيادة، وتقاسم النفوذ.

إعداد وتحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: