الخميس, 13 نوفمبر 2025 01:43 PM

كارثة بيئية في الحسكة: نهر جقجق يتحول إلى مكب للنفايات بسبب الجفاف

كارثة بيئية في الحسكة: نهر جقجق يتحول إلى مكب للنفايات بسبب الجفاف

سامر ياسين – الحسكة

يصف يونس حسين، أحد سكان حي المفتي في مدينة الحسكة، الوضع المأساوي لنهر "جقجق" قائلاً: "الروائح الكريهة لا تفارق حيّنا، ونضطر لإغلاق النوافذ طوال الصيف، حتى إن الأطفال أصبحوا يعانون من الأمراض الجلدية والبكتيريا". فالنهر جفّ تماماً منذ أكثر من عشر سنوات، وتحول مجراه إلى مكان لتجمع النفايات وانتشار الحشرات والبعوض.

يشير السكان إلى أن الوضع البيئي على ضفاف النهر أصبح مأساوياً، حيث يضطر السكان إلى تحمل الروائح الكريهة وانتشار الذباب والحشرات، بينما تتجاهل الجهات الرسمية اتخاذ أي إجراءات جدية للحد من التلوث، أو إيجاد حلول لانقطاع المياه المستمر منذ سنوات.

ويعد نهر "جقجق" من أبرز المعالم الطبيعية في الحسكة، وهو الرافد الشمالي لنهر الخابور. ينبع من منطقة طور عبدين في الأراضي التركية قرب مدينة نصيبين، ويخترق شمال مدينة الحسكة ويمر بعدد من القرى والبلدات قبل أن يعبر مركز المدينة، ثم يتابع مسيره جنوباً حتى يلتقي بنهر الخابور.

ولسنوات طويلة، شكل النهر مصدراً رئيسياً للحياة، إذ استخدمت مياهه لريّ الأراضي الزراعية، وسقاية المواشي، كما اعتمدت محطة المياه الرئيسية في الحسكة على جزء منها لتأمين احتياجات المدينة من مياه الشرب.

ويقول يونس حسين، الذي يقيم في حي المفتي منذ عام 1985 لنورث برس: "كنت أصطاد الأسماك يومياً من النهر، وكانت الضفاف خضراء وجميلة. في السنوات الأخيرة بدأ منسوب المياه يتراجع تدريجياً، وظهرت مستنقعات تصدر روائح كريهة، ومع الجفاف الكامل أصبح السكان يرمون نفاياتهم في مجرى النهر، على الرغم من عمل سيارة القمامة التابعة للبلدية يومياً عدا يوم الجمعة".

ويضيف حسين: "المياه هي أساس الحياة والحضارات، وكل الحضارات اعتمدت عليها للعيش، لكن المياه انقطعت تماماً، ونشفت الينابيع، وقطعت الأشجار على ضفاف النهر، مما جعل الوضع صعباً للغاية. الآن النهر أصبح مكباً للنفايات، وانتشرت الحشرات والذباب والأمراض المرتبطة بالأوساخ".

رحاب منيرجي، من سكان الحي أيضاً، تقول لنورث برس: "سابقاً كان النهر جارياً، وكانت الأراضي الزراعية المجاورة تستفيد من المياه، أما اليوم فقد تحول النهر إلى مكب للنفايات، خصوصاً من المنطقة الصناعية المجاورة، وبعض السكان يقومون بحرقها فتنتشر الروائح المزعجة، والأمر أصبح مؤذياً للأطفال والمزروعات على حد سواء".

وتضيف منيرجي: "أغلب الأطفال معرضون للبكتيريا والأمراض الجلدية، والمعيشة باتت صعبة لدرجة أن البعض يفكر في بيع منازلهم ومغادرة الحي بعد تغير البيئة بشكل كامل".

من جانبه، يشير خلو، وهو مقيم على ضفة النهر، إلى أن الأثر الأمني أصبح واضحاً: "عندما أتينا إلى الحي كانت المياه جارية والمناخ جيداً، أما اليوم فقد انقطعت المياه تماماً، وأصبح النهر مليئاً بالأوساخ، ما سمح لأشخاص غرباء بالدخول إلى الحي عبر المجرى الجاف، وهذا سبب مشاكل أمنية إضافية".

ويتابع خلو: "تغيرت البيئة بشكل كامل، وانتشرت الأمراض مثل الكوليرا وحبة حلب، واشتكى السكان مرات عديدة للبلدية لكن لا حل حتى الآن".

يشار إلى أن جفاف نهر "جقجق" لم يؤثر فقط على النظافة العامة والصحة، بل أثر أيضاً على الأراضي الزراعية والمزروعات، حيث تضررت المحاصيل بسبب انقطاع المياه. ومع استمرار تحول المجرى إلى أرض قاحلة ومكب للنفايات، بات النهر يشكل تهديداً صحياً وبيئياً وسكانياً في الوقت نفسه.

ويؤكد السكان أن الحلول الممكنة تتطلب تدخل الجهات الرسمية لتأمين المياه وإعادة تأهيل مجرى النهر، وفرض قوانين رادعة لمنع رمي النفايات، مع توعية السكان بمخاطر التلوث، لضمان إعادة النهر إلى ما كان عليه من أهمية بيئية وزراعية واجتماعية.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: