تبدو معرة النعمان في ريف إدلب، بعد سنوات من الصراع، وكأنها تنهض من حرب طاحنة، حيث تتأرجح بين رغبة الأهالي الملحة في العودة وبين الواقع الخدمي المتردي الذي لا يزال هشا ومثقلا بالدمار. يبدو طريق التعافي طويلا وشاقا، إذ تتفق شهادات العائدين والمسؤولين المحليين على أن ما تحقق حتى الآن لا يزال محدودا للغاية مقارنة بحجم الاحتياجات.
محمد الأصفر، وهو أحد العائدين من مخيمات النزوح، صرح لموقع “سوريا 24” بأن عودته إلى المدينة لم تكن نابعة من تحسن الأوضاع، بل جاءت نتيجة لصعوبة المعيشة في مناطق النزوح. وأوضح أن الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع إيجارات المنازل في الشمال السوري دفعاه لاتخاذ قرار العودة، على الرغم من قسوة الأوضاع الخدمية والمعيشية في المدينة.
يصف الأصفر حال منزله المدمر، الذي حوله “شبيحة” النظام السابق إلى أنقاض، بعد أن قاموا بتخريبه وسرقة محتوياته. ويضيف أنه ينتظر الدعم من المنظمات الإنسانية وأصحاب الخير لمساعدته في ترميم منزله.
من جانبه، قدم الناشط الإعلامي محمد خلوف شرحا مفصلا عن الوضع الخدمي في المدينة، قائلا: "بالنسبة إلى الواقع الخدمي في معرة النعمان، تم ترميم خمس مدارس داخل المدينة منذ الشهر السادس، وهذا ساهم في تحسين وضع التعليم مقارنة بمعظم مناطق الريف الجنوبي".
وفيما يتعلق بالمياه، أوضح خلوف أن "العام الجاري يُعد عاما جافا على كامل الجغرافيا السورية، والمعرة تعاني من شح شديد في الآبار، ولا توجد شبكات مياه عاملة"، مشيرا إلى اعتماد السكان على الصهاريج، إلا أن أسعارها مرتفعة وتتراوح بين 100 و150 ألف ليرة للصهريج الواحد. ويرى خلوف أن المشكلة الأكبر تكمن في الاعتماد على الصهاريج، إذ أصبح الوضع صعبا للغاية بسبب شح الآبار وارتفاع تكلفة الضخ من المناهل، خاصة مع اعتماد أصحاب المناهل على مصادر الطاقة التي ترفع سعر الصهريج إلى نحو 140 ألفا، بالإضافة إلى مصاريف النقل.
وفيما يخص الصرف الصحي، قال خلوف: "بدأ العمل عليه من خلال صندوق المعرة الخدمي عبر شراء أغطية للريكارات، وتم إغلاق معظم الشوارع الرئيسية، لكن الوضع ما يزال سيئا". وأضاف أن الشبكة متهالكة ولا تخضع لصيانة حقيقية، وما تزال هناك أغطية مفقودة أو مسروقة في الشوارع الفرعية، مشيرا إلى وجود دراسات لمعالجة المشكلة، لكنها ما تزال في طور التحضير.
وفيما يتعلق بالكهرباء، أوضح خلوف أنه "مع بداية العودة، كانت الكهرباء موجودة في مركز المدينة فقط، لكنها لا تصل إلى معظم الأحياء"، وأن "الكهرباء تقتصر حتى اليوم على المركز وبعض الشوارع الرئيسية، في حين تفتقر أغلب الأحياء إلى الشبكة والأعمدة"، مؤكدا وجود عمل على ملف الكهرباء، لكنه غير كاف ولا يغطي جميع السكان بشكل عادل.
وتحدث أيضا عن الطرق، قائلا: "الطرق ما تزال مغلقة في أجزاء كبيرة منها بسبب الأنقاض"، وأنه "على الرغم من تنفيذ أعمال كثيرة، إلا أن حجم الركام ضخم، والطرق تحتاج إلى صيانة جادة".
وأشار خلوف إلى افتتاح مجمع قضائي داخل المدينة، ما خفف كثيرا من العبء على الأهالي الذين كانوا مضطرين سابقا للذهاب إلى إدلب لإنجاز معاملاتهم، مؤكدا في ختام حديثه أن العمل موجود، لكنه ما يزال غير ملموس على أرض الواقع.
وفي رده على المشاكل الخدمية التي يعاني منها سكان مدينة معرة النعمان، أشار حسام البش، رئيس بلدية معرة النعمان، لموقع “سوريا 24”، إلى أن واقع الخدمات في المدينة متفاوت من قطاع إلى آخر، موضحا أن شركة “أكلين” للنظافة تغطي معظم أحياء المدينة، مع العمل حاليا على توسيع نطاق الخدمة.
وفيما يتعلق بالصرف الصحي، بين البش أن الشبكة تعاني أعطالا متعددة، لافتا إلى أن اليونيسف تسلمت الجزء الأكبر من مشروع الصرف الصحي وستباشر العمل عليه قريبا، بالتوازي مع تنظيف نحو 3000 ريكرة داخل المدينة. وأضاف البش أن اليونيسف تعمل على تأهيل آبار بسيدا والشبكة الداخلية، بينما تتولى منظمة الهلال الأحمر ومنظمة “سيريا ريليف” تأهيل آبار عين الزرقا.
وفي ملف الكهرباء، أوضح أن نسبة التغذية لا تتجاوز 20 بالمئة حاليا، مع وجود محاولات من شركة الكهرباء لتوسيع الخدمة عبر محطات جديدة. أما القطاع الصحي، فيخدم المدينة والريف مركز صحي واحد، وتم ترميم العيادات الخارجية، فيما يتواصل العمل على إعادة تأهيل المشفى الوطني.
وأكد البش أن البنية التحتية تحتاج إلى ترميم وصيانة بنسب متفاوتة، بينما ما تزال الطرق بحاجة إلى إعادة تأهيل شاملة. وتمت إزالة قسم كبير من الأنقاض عبر الدفاع المدني، والصندوق الخدمي، وبعض المتبرعين، لكنه أشار إلى عدم وجود جدول زمني لترحيل كامل الأنقاض بسبب العودة المستمرة للأهالي.
وحول أولويات البلدية، ذكر أن الخطة الحالية تشمل صيانة الصرف الصحي، وترحيل الأنقاض بالتعاون مع الدفاع المدني، وتحسين بعض المداخل، وإعادة تأهيل المنصف في الطريق العام. وبين أن الدعم المتوفر محدود جدا، ولا تتجاوز نسبة ترميم المنازل 5 بالمئة، مع وجود مشاريع إضافية ضمن خطة الإدارة المحلية لتحسين بعض الطرق.
واختتم البش حديثه بالإشارة إلى أبرز التحديات، موضحا أن ضعف التمويل مقارنة بضخامة العمل المطلوب يعرقل إنجاز المشاريع بالسرعة اللازمة، مؤكدا أن البلدية تعمل على تجاوز ذلك تدريجيا. كما شدد على ضرورة التزام الأهالي بمراجعة المكتب الفني قبل العودة إلى المنازل المتضررة جزئيا لضمان السلامة.