اغتيال رائد صبحي سعد.. إسرائيل تكرّس "إدارة الصراع" في غزة وتتجاوز الخطوط الحمر


أقدمت إسرائيل، عصر السبت، على اغتيال الرجل الثاني في «كتائب القسام»، رائد صبحي سعد. وتأتي هذه العملية، خلافاً لعمليات التصعيد السابقة، دون الحاجة إلى تبريرها بحدث ميداني كبير من مثل مقتل أو إصابة جنود إثر اشتباكات في مدينة رفح، كما جرت العادة سابقاً.
وأكدت الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن القيادة السياسية أبلغت الولايات المتحدة بتنفيذ الهجوم بعد وقوعه. ويشير هذا إلى أن عملية اغتيال سعد، وما سبقها بعشرة أيام من اغتيال للقيادي الكبير علاء الدين الحديدي، مسؤول وحدات الدعم والإمداد في «القسام»، لم يأتيا كحدثين خارجين عن سياق وقف إطلاق النار، بل كجزء من استراتيجية إدارة الصراع. وتهدف إسرائيل من خلال ذلك إلى تعزيز واقع ميداني لا تحكمه أي قواعد اشتباك أو خطوط حمر.
تسعى إسرائيل إلى تكريس واقع لا ينهي الحرب فعلياً، ولكنه في الوقت ذاته لا يعيدها إلى دائرة العمليات الشاملة، وذلك استجابة للرغبة الأميركية. ويُظهر المسار الذي سلكته عملية الاغتيال، والتي تلت تهديدات علنية ومستمرة لرائد سعد وعز الدين الحداد، أن المحدد الأساسي للتوقيت هو توفر الفرصة العملانية والمعلومة الاستخبارية الدقيقة التي لا تتكرر دائماً.
وفيما يتعلق بالإشارة إلى أن إسرائيل لم تبلغ واشنطن بالعملية إلا بعد وقوعها، فإن هذا يُعد تفصيلاً هامشياً. فقد تم الهجوم بتنسيق تام مع غرفة العمليات الأميركية – الدولية في «كريات غات»، التي توفر مظلة سياسية وعسكرية تمنح إسرائيل هامش حركة لإعادة صياغة الأحداث الميدانية، حتى الكبيرة منها، وتقديمها على أنها ليست خرقاً استراتيجياً للهدنة، بل مجرد إعادة ضبط لإيقاعها.
تجدر الإشارة إلى أن اغتيال شخصية بهذا الحجم كان مُدرجاً على قائمة أولويات التنفيذ لسنوات طويلة قبل السابع من أكتوبر 2023. وكان المستوى السياسي الإسرائيلي قد قرر تأجيله تفادياً لرد الفعل المتوقع، خاصة أن اغتيال قائد أركان «القسام»، أحمد الجعبري، في عام 2012، تسبب بجولة قتال استمرت ثمانية أيام، قصفت فيها المقاومة مدينة تل أبيب لأول مرة بصواريخ «فجر» الإيرانية الصنع، ما شكل نقطة فارقة في مستوى الصراع حينها.
تستغل إسرائيل الوقائع الميدانية والسياسية لتمرير عملية اغتيال الرجل الثاني في «القسام»، مع إطلاع وحدات الرقابة الأميركية والدولية على مستواها. وتعتبر إسرائيل أن هذه العمليات هي الواقع المستدام الذي سيطول لسنوات، ويجب أن لا يتسبب تكرار دينامياته بأي اعتراض، كونه لا يخالف خطة ترامب وبنودها العشرين.
وفي إطار إدارة إسرائيل لعلاقتها مع الولايات المتحدة، هناك إدراك سياسي في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأن واشنطن – ترامب متعجلة للانتقال إلى المرحلة الثانية من التفاهمات، وتشكيل قوة دولية في قطاع غزة، ما قد يفرض قيوداً سياسية وأمنية على حرية العمل الإسرائيلي. لذلك، ترى تل أبيب في الاغتيالات والتصعيد السابق للمرحلة الثانية وسيلة لرفع السقف وخلط الأوراق، وتعقيد الانتقال إلى واقع قد تُفرض عليها فيه ترتيبات لا تنسجم مع أهدافها.
بهذه الطريقة، نجحت إسرائيل في فرض النموذج القائم في جنوب لبنان على قطاع غزة: لا سلم مطلقاً ولا حرب شاملة. وعليه، تبقى السماء مفتوحة أمام عمليات الاغتيال والاستهداف متى توفرت الفرصة، في واقع ينسجم مع السعي الإسرائيلي لاستدامة الضغط ومنع الاستقرار. هذا يعني أن الحرب لم تنتهِ، بل تغير شكلها، بينما يحدد الراعي الأميركي خطوطاً حمراً لا يبذل جهداً كبيراً في تثبيتها.
من جانبها، تدرك المقاومة أن الوقائع الأمنية والميدانية وقواعد الاشتباك التي نشأ عليها جيل كامل من المقاومين خلال الأعوام الـ15 الماضية، قد انتهت إلى أجل غير مسمى. وبدأ التفكير لديها ينصبّ على العودة إلى البدايات التي عايشها القادة التاريخيون: المطاردة المستمرة والتخفي الدائم والعمل من وراء الستار. وأعلنت «كتائب القسام» أمس، أنها كلفت قائداً جديداً بالمهام التي كان يشغلها الشهيد سعد، معتبرة عملية اغتياله «تجاوزاً لكل الخطوط الحمر»، ومؤكدة أن «حقنا في الرد على عدوان الاحتلال مكفول، ومن حقنا الدفاع عن أنفسنا بشتى الوسائل».
سياسة دولي
⚠️محذوفسياسة دولي
سياسة دولي
سياسة دولي