المرأة السورية والوصاية الذكورية: صراع تشريعي ومجتمعي نحو المساواة


هذا الخبر بعنوان "الوصاية وملامح الأنثى السورية" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يشير الكاتب نضال الخضري، في مقال له عبر "هاشتاغ"، إلى أن قضية رفع وصاية الرجل عن المرأة وأطفالها في سوريا ليست مجرد خبر إعلامي عابر، بل هي انعكاس لحالة مجتمع يواجه تحديات عميقة. فالقانون السوري، الذي لم يتمكن من مواكبة التطورات الزمنية أو تجاوز مفاهيم "حقبة الحريم"، يدفع بالمجتمع نحو دائرة مغلقة من البحث عن مستقبل غير واضح.
على الرغم من التحولات الكبيرة التي شهدتها المرأة السورية منذ فجر الاستقلال، إلا أنها لا تزال حبيسة نصوص قانونية تفرض عليها قيوداً خاصة، وتتعامل معها كـ"قاصر" بشكل دائم. هذه التشريعات، التي تبدو وكأنها تسعى للعودة إلى الماضي، تتعارض بشكل صارخ مع مبادئ الدستور الذي ينص على "المساواة" بين جميع المواطنين، مما يخلق واقعاً قانونياً يهمش المرأة ويضعها خارج سياق العصر.
إن جوهر المشكلة لا يكمن في الجزئيات القانونية فحسب، بل يتجذر في البنية الذهنية التي تستند إليها هذه القوانين. فهي أسيرة لمفاهيم "الوصاية الذكورية" وتسعى للحفاظ على وهم "الاستقرار الاجتماعي" في حقبة تتسم بتحولات معرفية كبرى. وبغض النظر عن الظلم الذي تفرضه هذه القوانين، فإن استمرار صورة سوريا في "زمن الحريم" يلقي بظلال قاتمة على مسيرة الحياة والتطور.
تجد النساء اللواتي فقدن أزواجهن في ظروف الحرب، وتحملن مسؤولية رعاية أسرهن بمفردهن، أنفسهن اليوم في مواجهة عزلة قاسية ومحاولات لتقويض قدرتهن على إدارة شؤون أطفالهن دون الحاجة إلى وصي "ذكر" من العائلة. ففي ظل هذه القيم السائدة، لا تُعد الأمومة كافية لإثبات الأهلية القانونية أو الأخلاقية، مما يحرمهن من الانطلاق نحو آفاق أوسع خارج القيود المفروضة.
إن النقاش حول الولاية لا يمكن فصله عن الجدل الأوسع حول مفهوم "السلطة" في المجتمع السوري. فالقوانين هي انعكاس لتوازنات القوى الاجتماعية والسياسية القائمة، ومن غير الممكن إلغاء وصاية الرجل على المرأة دون إحداث تغيير جذري في بنية السلطة ذاتها، التي تتأسس على تراتبية هرمية تمتد من الأقوى إلى الأضعف، ومن الدولة إلى المواطن، ومن الأب إلى الأسرة. ويُعد صراع المرأة السورية ضد الوصاية رمزياً بامتياز، لأنه يمثل اعترافاً بقدرتها على أن تكون فاعلاً كاملاً ومستقلاً في الحياة، لا مجرد تابع يحتاج إلى إذن.
إن التحرر من الوصاية يمثل خطوة أساسية لكسر قيود التفكير، ويتجاوز مجرد تحقيق المساواة المدنية، ليتقاطع مع تساؤلات أعمق حول هوية الدولة السورية: هل هي دولة مواطنة حقيقية أم دولة وصاية؟ فالقانون الذي لا يمنح الثقة للمرأة، لا يمكن له أن يثق بالمواطن بشكل عام؛ لأنه ينطلق من فرضية أن الإنسان بحاجة إلى من يرشده، لا إلى من يشاركه في اتخاذ القرار.
يُعد إنهاء الوصاية قضية محورية تتعلق ببنية العدالة الأساسية، فالمساواة أمام القانون لا تتحقق بمجرد نصوص جامدة، بل تتجسد في الاعتراف بالإنسان ككائن مستقل يمتلك القدرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية. وعندما تُكسر القيود التي تحيط بالمرأة، يُفتح الباب أمام طاقة إنسانية هائلة كانت محجوبة خلف الجدران. فكل خطوة نحو المساواة ليست مكسباً للنساء وحدهن، بل هي ربح للمجتمع بأكمله، لأنها تعيد توزيع الثقة والعقل والمسؤولية على جميع أفراده.
إن المرأة التي يُسمح لها بأن تكون وصية على أطفالها، تتحول إلى شريك حقيقي وفاعل في بناء المجتمع. وعندما تستعيد إنسانيتها القانونية والأخلاقية بشكل كامل، يتحرر الوعي الجمعي السوري من أقدم أشكال الخوف، وينتقل من ثقافة تقدس السلطة إلى ثقافة تقدس الإنسان وقيمته.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة