سوريا بعد قانون قيصر: تحديات الانفتاح وفرص التعافي الإقليمي


هذا الخبر بعنوان "سوريا والمنطقة…مرحلة ما بعد العزل" نشر أولاً على موقع alwatanonline وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تجد سوريا نفسها اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، تحمل في طياتها أوجه تشابه مع تجارب دول سابقة نجحت في الخروج من أنظمة العقوبات. ومع أن إلغاء قانون قيصر يفتح نافذة أمل لإعادة التموضع الإقليمي، إلا أن نجاح هذه المرحلة يبقى مرهوناً بقدرة سوريا على تحويل الانفتاح السياسي إلى تعافٍ اقتصادي واستقرار مستدام، بما يمكنها من استعادة دورها الطبيعي في محيطها الإقليمي.
لم يكن قانون قيصر، منذ إقراره، مجرد أداة ضغط اقتصادي فحسب، بل كان عنواناً لمرحلة كاملة من التعامل الدولي مع سوريا. اتسمت هذه المرحلة بالعزل والتضييق، ومحاولة فرض مسارات سياسية واقتصادية تتجاوز منطق السيادة (زمن النظام السابق). واليوم، مع الانتقال إلى مرحلة إلغاء هذا القانون أو إنهاء العمل بمفاعيله، تدخل سوريا فصلاً جديداً يستدعي قراءة متأنية لما طرأ من تغييرات وما بقي ثابتاً في البيئة الإقليمية.
إن الأهمية السياسية لإلغاء قانون قيصر لا تقتصر على البعد الاقتصادي، رغم أهميته البالغة، بل تتجلى في التحول التدريجي في المقاربة الإقليمية والدولية تجاه سوريا. فالدولة التي كانت تُدار إقليمياً كـ «ملف أزمة» بدأت تُعاد مقاربتها كعنصر استقرار محتمل في معادلات المنطقة، وهو تحول يحمل دلالات تتجاوز الحسابات المالية والتجارية.
على المستوى الإقليمي، يمهد هذا التطور الطريق أمام إعادة تفعيل العلاقات العربية – السورية على أسس عملية، لا تقوم على المجاملات السياسية، بل على المصالح المشتركة، مثل أمن الحدود، والطاقة، والنقل، والتكامل الاقتصادي. كما يخفف من الأعباء التي تحملتها دول الجوار نتيجة سنوات العزل، ويعيد الاعتبار إلى دور سوريا الجغرافي بوصفها عقدة وصل طبيعية بين المشرق العربي وعمقه الإقليمي.
في المقابل، تكشف تجارب دول أخرى خرجت من أنظمة عقوبات أن رفع القيود الخارجية لا يشكل ضمانة تلقائية للتعافي أو لاستعادة الدور. فالعراق، على الرغم من عودته إلى الساحة الإقليمية، لا يزال يدفع أثمان سنوات التفكك المؤسسي، بينما خسر السودان فرصة تاريخية بسبب غياب الاستقرار. أما الدول التي نجحت في تحويل رفع العقوبات إلى مكسب استراتيجي، فقد فعلت ذلك عبر إدارة داخلية متماسكة ورؤية واضحة لمكانتها الإقليمية.
من هنا، تتطلب المرحلة الراهنة مقاربة سورية واعية لا تقوم على الإفراط في التوقعات، ولا على التقليل من أهمية التحول الحاصل. فالانفتاح الإقليمي والدولي، مهما اتسع، يبقى مشروطاً بقدرة الدولة على ترسيخ الاستقرار، وتوجيه الموارد نحو الإنتاج، وبناء شراكات متوازنة لا تعيد إنتاج التبعية أو الارتهان. إن ما بعد «قيصر» ليس نهاية الصراع على موقع سوريا، بل هو انتقال هذا الصراع من أدوات الضغط المباشر إلى ميادين السياسة والاقتصاد والتوازنات الإقليمية.
في هذا السياق، تمتلك سوريا فرصة لإعادة تثبيت دورها بوصفها دولة ذات سيادة، قادرة على نسج علاقات متوازنة، والمساهمة في استقرار محيطها بدل أن تبقى ساحة لتقاطع الأزمات. الرهان اليوم ليس على قرار خارجي، بل على كيفية استثمار هذا التحول بما يخدم المصلحة الوطنية، ويعيد لسوريا حضورها الطبيعي في الإقليم، حضوراً يستند إلى الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة، لا إلى الاستثناء أو العزلة.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة