محاكمات أحداث الساحل في حلب: جدل علنية الجلسات بين الرمزية ومتطلبات العدالة


هذا الخبر بعنوان "محاكمات أحداث الساحل… علنية الجلسات بين الرمزية وأسئلة العدالة" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٠ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تتجه الأنظار نحو قصر العدل في حلب، حيث تُجرى المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل السوري. تُعد هذه المحاكمات اختبارًا مزدوجًا للقضاء السوري؛ الأول شكليًا من خلال علنية الجلسات وحضور الإعلام والمراقبين، والثاني موضوعيًا عبر أساليب التحقيق المتبعة وضمانات المحاكمة العادلة. تتضارب القراءات القانونية والحقوقية حول هذه الجلسات، فبينما يرحب البعض بالعلنية، يتحفظ آخرون على جوهر الإجراءات، معتبرين إياها خطوة مهمة لكنها غير مكتملة.
عُقدت الجلسة الثانية من هذه المحاكمات العلنية في قصر العدل بمدينة حلب يوم الخميس الماضي، بحضور ممثلين عن منظمات حقوقية ودولية، بما في ذلك هيئات أممية ومنظمات متخصصة في العدالة الانتقالية والمساءلة والشفافية. وقد قررت المحكمة تعليق الجلسة حتى 22 كانون الثاني/يناير المقبل. ومثل أمام المحكمة سبعة متهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل التي وقعت مطلع آذار/مارس الماضي، وترأس الجلسة رئيس محكمة الجنايات بحلب، القاضي زكريا عبد الغني البكار.
رصد مراسل سوريا 24 حضورًا واسعًا للمحامين والمواطنين داخل قاعة المحكمة، وشملت الجلسة استجوابًا علنيًا للمتهمين. كان من بين المتهمين شخص نُسب إليه مقطع فيديو يظهر حمله أشلاء بشرية، وهو ما نفاه المتهم، مدعيًا أن المقطع مفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي.
من الناحية الإجرائية، أوضح المحامي عبد عبد الغفور لموقع سوريا 24 أن هذه المحاكمات لا تخرج عن نطاق المحاكمات الجزائية التقليدية، مشيرًا إلى أنها تُدار وفقًا لقانون العقوبات السوري الصادر عام 1949. وأرجع الزخم الإعلامي المحيط بالقضية إلى كونها قضية رأي عام، وليس لطبيعة المسار القانوني المتبع. وانتقد عبد الغفور الاعتماد المتكرر على الذكاء الاصطناعي كوسيلة دفاع من قبل المتهمين، مؤكدًا أن القضاء يعتمد بشكل أساسي على خبراء متخصصين في تقنيات الفيديو للتحقق من صحة الأدلة. وأضاف أن إنكار التهمة يبقى من أولويات الدفاع المشروع، لكنه يظل حلًا إسعافيًا مؤقتًا لا يمهد لمسار عدالة انتقالية حقيقية.
وشدد عبد الغفور على أن العدالة الانتقالية تتطلب تشريعًا خاصًا ومستقلًا لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الانتهاكات الجسيمة، خارج الإطار التقليدي للقانون الجزائي العام.
في المقابل، قدم حسام قسقاس، عضو فريق التحقيقات ومتخصص أبحاث المصادر المفتوحة في دار عدالة، قراءة أكثر نقدية. فقد رأى أن علنية الجلسات، على الرغم من أهميتها الرمزية، لا تُحدث تحولًا حقيقيًا في مسار القضاء ما لم يقترن ذلك بتغيير جوهري في أساليب التحقيق وضمانات المحاكمة العادلة. وانتقد قسقاس، في حديثه لموقع سوريا 24، ما نُشر رسميًا من مشاهد تحقيق علنية، معتبرًا أنها تكشف عن إشكاليات قانونية خطيرة، خاصة في ظل إفادات بعض المشتبه بهم بتعرضهم للتعذيب أثناء التحقيق بهدف انتزاع الاعترافات. ويشكل هذا، قانونيًا، قرينة على بطلان الإجراءات وانتهاكًا لمبادئ القانون السوري ذاته، بالإضافة إلى التزامات الدولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وحذر قسقاس من أن استمرار الاعتماد على أساليب تحقيق تقوم على الضرب والتعذيب لا يعكس فقط فشلًا في تطوير أدوات العمل القضائي، بل يعيد إنتاج جوهر المنظومة الأمنية القمعية التي سادت لعقود، ويقوض أي ادعاء بالقطيعة مع إرث الدولة البوليسية، مما يفرغ مفاهيم العدالة الانتقالية والعدالة بعد النزاع من مضمونها الحقيقي. وأشار إلى أن الدولة تمتلك بدائل مشروعة وفعالة للتحقيق، تشمل تحليل الوثائق الرسمية، والاستفادة من تحقيقات المصادر المفتوحة، وبناء القضايا على أسس مهنية تحترم حقوق الإنسان وتنتج أدلة قابلة للاستخدام القضائي. وحذر من أن تجاهل هذه الأدوات لصالح الاعترافات القسرية يفتح الباب واسعًا للطعن القانوني مستقبلًا، سواء أمام القضاء الوطني أو أي آليات قضائية لاحقة.
وفي حين يبقى الغضب الشعبي مفهومًا بالنظر إلى جسامة الانتهاكات التي شهدها الساحل السوري والجرائم المتراكمة خلال سنوات الثورة المرتكبة من قبل النظام الساقط، يؤكد قانونيون أن وظيفة القضاء لا تكمن في ترجمة هذا الغضب إلى إدانات مسبقة، بل في ضبطه ضمن إطار قانوني يضمن الحياد والنزاهة واحترام حقوق المتهمين. فوفقًا للمختصين، لا تُعد هذه الضمانات تنازلًا عن حقوق الضحايا، بل هي الشرط الأساسي لإصدار أحكام صامدة قانونيًا وأخلاقيًا.
وكان القاضي جمعة العنزي، رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، قد أكد سابقًا في تدوينة على منصة إكس، أن الحكومة السورية تتبنى المحاكمات العلنية كنهج ثابت لكسر دائرة الإفلات من العقاب وتعزيز الشفافية وحماية حقوق المتهمين. وأشار إلى أن ملايين السوريين ينتظرون انطلاق مسار العدالة الانتقالية بشكل أوسع.
يُذكر أن أولى جلسات المحاكمة العلنية بدأت في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وشملت محاكمة 14 موقوفًا على مرحلتين. وتأتي هذه الجلسات وسط تأكيدات رسمية على استمرار عقد جلسات علنية أخرى بحق أكثر من 560 متهمًا على خلفية أحداث الساحل، بالإضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بانتهاكات ارتُكبت بحق السوريين خلال السنوات الماضية.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة