بيت لحم: رحلة في مهد المسيح بين عظمة التاريخ وواقع الاحتلال


هذا الخبر بعنوان "يوم زُرنا بيت لحم وشوارعها وحاراتها… هنا وُلد يسوع منذ 2025 عاماً!" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تستحضر المقالة الذكرى الخالدة لحدث عظيم وقع قبل 2025 عاماً، وهو ميلاد طفل في مزود ومغارة بمدينة فلسطينية تاريخية: بيت لحم. لطالما كان حلم زيارة هذه المدينة في أرض فلسطين المجروحة والمعذّبة يراود الكثيرين، فيواسون أنفسهم بتصوّر مغارة الميلاد وتفاصيلها في منازلهم. لكن هذا العام، اتخذ العيد منحى مختلفاً، إذ تحققت رحلة إلى بيت لحم بمساعدة مراسلة "النهار" الفلسطينية مرال قطينة، وصولاً إلى كنيسة المهد، في مشهد يجسّد حدث ليلة عيد الميلاد "الوطني" في فلسطين.
تصف الرحلة السير في شوارع بيت لحم وحاراتها وأزقّتها (جنوب الضفة العربية)، على طرقات ربّما سلكها المجوس والرعيان قبل 2025 سنة. ورغم أن المشهد الجغرافي قد تغيّر بفعل الطرقات والمسارات والأبنية الجديدة، ووجود احتلال إسرائيلي، إلا أن الشوق والتأمل يظلان حاضرين. تبدأ رحلة الوصول من القدس، التي تبعد عن بيت لحم نحو 10 كلم جنوباً، مروراً بباب الخليل. تاريخياً، يُعد باب الخليل بوابة القدس القديمة (البلدة القديمة) باتجاه الجنوب الفلسطيني، نحو بيت لحم والخليل. وفقاً لخريطة فلسطين، تقع القدس في المركز، تليها بيت لحم ثم الخليل. يوصل شارعان من باب الخليل إلى مدخل بيت لحم المعروف بـ"قبة رحيل": شارع الخليل وشارع بيت لحم.
تحيط بمدينة بيت لحم ثلاثة حواجز رئيسية: حاجز الـ300 (المعروف أيضاً بـ"قبة رحيل" أو منطقة الطنطور بالتسمية الفلسطينية)، حاجز الأنفاق القادم من بيت جالا، وحاجز المزمورية القادم من بيت ساحور، وهي نقاط دخول لأهل القدس والسياح. وتُعد بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور أهم ثلاث مدن في محافظة بيت لحم. ورغم كونها مدناً مسيحية تاريخياً، إلا أن نسبة المسيحيين فيها اليوم أقل بكثير مما كانت عليه سابقاً. كما تغيرت الطرقات القادمة من رام الله بفعل وجود المستوطنات الإسرائيلية، حيث تصادف مستوطنات أرنونا، بتلبيوت، وجبل أبو غنيم.
جغرافياً وديموغرافياً، تحافظ بيت لحم على بساطتها وجمالها وبيوتها القديمة. تضم المدينة 14 كنيسة، وتوفر أديرتها وكنائسها التاريخية أجواءً من الخشوع والصلاة والتمسك بالإيمان. من أهم شوارعها: طريق الخليل، الشارع الجديد، شارع بيت ساحور، شارع بولس السادس، شارع السينما، شارع الفرير، وشارع جمال عبد الناصر. تحدّها من الغرب مدينتا الدوحة وبيت جالا، ومن الشمال مدينة القدس وقرية صور باهر، ومن الشرق مدينة بيت ساحور، أما من الجنوب فتحدّها قرى الخضر وأرطاس وبرك سليمان.
في الماضي، لم تكن هناك أنفاق أو حواجز تعيق الوصول إلى هذه المدينة التاريخية. ويُعتقد أن يسوع أراد بيت لحم مدينة بلا حواجز أو قيود، مدينة تصدّر السلام إلى العالم، وتجسّد بساطة ولادته، مدينة خالية من الألم والعذاب. وعلى عكس الأبنية في القدس تحديداً، تحافظ المدن الفلسطينية عموماً على قِدمها، ببيوتها العربية الجميلة المبنية بالحجر الأبيض والسيراميك على الأبواب، وشبابيكها ذات الأقواس. عند مدخل كل بيت، توجد حديقة صغيرة تضم أشجار الليمون والبرتقال واللوز والرمان والورد الجوري والياسمين والزنبق. ولا يغيب صوت الأذان عن المدينة، حيث تفصل ساحة بين كنيسة المهد ومسجد عمر ابن الخطاب.
يخنق الجدار الإسرائيلي، الذي شُيّد عام 2002، مدينة بيت لحم، محيطاً بها من جميع الجهات. وقد أثر ذلك سلباً على السياحة والحج المسيحي، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية، مما زاد من صعوبة حياة السكان وقيودهم. تعبّر الجداريات والرسومات عن الحصار والوضع المعيشي والتوق إلى الحرية والحياة الطبيعية. وفي عام 2014، زار البابا الراحل فرنسيس الجدار، وتوقف عنده ووضع يده عليه وصلّى، معتبراً زيارته من مدينة ولادة يسوع رسالة إنسانية بحتة.
أما حاجز الـ300، فهو معبر يفرض قيوداً صارمة وقوانين إسرائيلية تعيق حرية الفلسطينيين (خاصة حاملي هويات السلطة الفلسطينية) وتحركاتهم. كانت حقول الزيتون تغطي مساحة المدينة على الجهتين، دون أبنية تحجب مشاهد الجبال الخلابة. يمر الطريق من بيت صفافا، المدينة المختلطة بين مسيحيين ومسلمين، والتي تُعد الأقرب إلى بيت لحم وصلة الوصل. وقد تغيرت الجغرافيا والطرقات والمعالم، وزادت الحفريات بفعل وجود المستوطنات وإقامة مستوطنات جديدة.
تتميز البلدة القديمة في بيت لحم ببيوتها الجميلة وشوارعها الشعبية والأثرية، وحاراتها الشهيرة مثل حارة الفواغرة. يؤدي طريق الحسبة وشارع البسطات إلى البلدة القديمة، وصولاً إلى بطريركية اللاتين وحارة السريان وكنيسة مار شربل. تعج المحلات التجارية بالناس، حيث تستمر الحياة اليومية وسط كل هذه الصعوبات.
تُعد كنيسة المهد، محطة الرحلة الأبرز، ساحة تضج بالحياة والإيمان، وقد ارتفعت فيها شجرة الميلاد مؤخراً. هذه الساحة المنظمة، الصغيرة والبسيطة، تعبّر عن التاريخ الفلسطيني وتجمع لغات دول العالم. بُنيت كنيسة المهد، وهي من أقدم كنائس العالم، على يد قسطنطين الأكبر عام 330 ميلادي. هُدمت وأُعيد بناؤها عدة مرات، وجرى ترميمها آخر مرة عام 2012. بُنيت على شكل صليب، وتعلو سقفها القبة والصليب بجانب أجراسها. حجرها الخارجي قديم، ومدخلها صغير يتطلب الانحناء للدخول، في مشهد رمزي للانحناء أمام القربان المقدس. في الداخل، تتجلى عظمة المكان: بناء وحجر قديمان في أرضيته، أعمدة وزخرفات ورسومات، مباخر متدلية تفوح منها رائحة البخور، وثريات من الشمع للإنارة. تتحدث الذاكرة الشعبية المسيحية في بيت لحم عن سقف الكنيسة العالي المصنوع من خشب أرز لبنان. وللعمود المثقوب على شكل صليب داخل الكنيسة قصة، تروي حماية الكنيسة من هجوم قديم بخروج سرب من الدبابير من الثقوب، مما منع الغزاة من اقتحامها في معجزة حمَت المكان.
أما المذبح، فهو قصة أخرى: كبير ومليء بالأيقونات، يجمع بين الجمال والتواضع. تختتم الرحلة الاستثنائية في المكان الذي أشرق منه "نور العالم". في دهليز تحت أرض الكنيسة، تفصل عشرات الدرجات عن مكان ولادة يسوع. إنها مغارة صغيرة متواضعة يغطيها رداء، أرضيتها من الحجر، وتحيطها الشموع والمباخر. تحديداً عند مكان ولادة يسوع، وُضعت نجمة فضية كُتب عليها باللاتينية "Hic De Virgine Maria Jesus Christus Natus Est 1717 AD"، أي "هنا وضعت العذراء مريم ابنها يسوع المسيح 1717م". ومن هناك، ينتقل الزوار إلى السرير أو المزود الذي احتضن يسوع، وهو مكان يملؤه الخشوع ومضاء بالشموع، رمزاً للمسيح النور الذي لا ينطفئ.
في ليل 24 كانون الأول/ديسمبر، تضاء كل بيوت مدينة بيت لحم ترحيباً بيسوع. وتستمر جمعة العائلات، التي لم يلغها الاحتلال ولا الحصار ولا القيود، مع عشاء تقليدي يضم المحاشي وشوربة العيد، في تعبير عن الفرح والرجاء بقدوم "ربّ السلام".
سياسة
ثقافة
سياسة
سياسة