تفشي السل في سجن رومية: خبير قانوني دولي يحذر من كارثة صحية ويطالب بإجراءات فورية لإنقاذ الأرواح


هذا الخبر بعنوان "خبير بالقانون الدولي لـ”الوطن”: ما يجري في سجن رومية يشكل حالة طارئة تستوجب إجراءات استثنائية وفورية" نشر أولاً على موقع alwatanonline وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أكد المعتصم الكيلاني، الخبير القانوني المقيم في باريس والمتخصص في حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، أن الوضع الراهن داخل سجن رومية في لبنان تجاوز كونه مجرد إهمال إداري أو خلل عابر، ليتحول إلى خطر صحي جسيم يهدد حياة السجناء والصحة العامة على حد سواء. يأتي هذا التحذير في ظل تسجيل وفيات متتالية، ونقل سجناء بحالات حرجة، وظهور عشرات الحالات بأعراض متشابهة تشير بقوة إلى احتمال تفشي مرض السل، وهو أحد أخطر الأمراض المعدية في البيئات المغلقة والمكتظة.
وفي سياق متصل، أطلق السجناء السوريون في سجن رومية مناشدة عاجلة للتدخل الفوري وإنقاذ الأرواح، وذلك بعد وفاة سجين بمرض السل اليوم، وظهور أعراض خطيرة على نحو 20 سجينًا آخر. وتهدف المناشدة إلى منع تفشي الوباء وانتقاله إلى بقية مباني السجن.
صرح الكيلاني لـ"الوطن" بأننا "أمام حالة طارئة تستوجب إجراءات استثنائية وفورية من منظور قانوني وحقوقي، وأي تأخير إضافي قد يرقى إلى مسؤولية قانونية مباشرة على عاتق الدولة والجهات المعنية". وأوضح أن البعد الصحي لا ينفصل عن القانون، فمرض السل ليس حالة طبية عادية، بل هو مرض مُعدٍ معروف عالمياً بقدرته على الانتشار السريع في أماكن الاحتجاز. وتُعدّ السجون، بطبيعتها، بيئة عالية الخطورة لانتقال العدوى، خاصة عند غياب الفحوصات الدورية، العزل الطبي، التهوية المناسبة، وإجراءات الوقاية أثناء نقل السجناء.
وشدد الكيلاني على أن فشل الدولة اللبنانية في منع تفشي مرض مُعدٍ داخل السجن لا يُعدّ تقصيراً صحياً فحسب، بل إخلالًا بواجب الحماية الذي تفرضه القوانين الوطنية والمواثيق الدولية. وأكد أن الإفراج عن السجناء في هذه الحالة ليس "منّة" أو إجراءً استثنائياً خارج القانون، بل هو أداة قانونية مشروعة وإجراء وقائي معتمد دولياً في حالات الأوبئة داخل أماكن الاحتجاز.
وأشار الكيلاني إلى أن القضاء اللبناني يملك صلاحية "الإفراج الصحي المؤقت، أو تخفيف التدابير الاحتجازية، أو استبدال التوقيف بتدابير أقل تقييداً، خاصة بحق غير المحكومين أو غير الخطرين أمنياً". وحذر من أن الإبقاء على أشخاص داخل بيئة مهدِّدة للحياة، مع العلم المسبق بالخطر، قد يُعدّ مساهمة غير مباشرة في تعريضهم للموت.
وبين الكيلاني أن العوائق أمام الإفراج لا تكمن غالباً في نصوص قانونية، بل في بطء الإجراءات القضائية، وغياب التنسيق بين القضاء وإدارة السجون، أو الخشية السياسية أو الأمنية من قرارات الإفراج. ولفت إلى سيطرة قضاة يتبعون للقضاء العسكري في لبنان لجهات قريبة من حزب الله، ولديهم اصطفافات سياسية أو يتعاملون مع السجناء، خصوصاً الأجانب، باعتبارهم "ملفاً مؤجّلاً". وأكد أن الاعتبارات الإدارية أو السياسية لا تُقدَّم على الحق في الحياة من منظور حقوقي.
وأوضح الكيلاني أن الدستور اللبناني والالتزامات القانونية العامة تكرّس الحق في الحياة، الحق في السلامة الجسدية، وحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية. وأي احتجاز في ظروف تُعرّض السجين لخطر صحي جسيم، من دون اتخاذ إجراءات وقائية فاعلة، قد يُعتبر معاملة غير إنسانية بالمعنى القانوني، ويُحمّل الدولة مسؤولية مباشرة.
وفيما يخص السجناء السوريين، نوه الكيلاني بأن الاتفاقيات القضائية بين لبنان وسوريا، ومبدأ التعاون القضائي، لا تُجيز بأي حال تجاهل الخطر الصحي أو استخدام الاحتجاز كذريعة لتأجيل الحلول الإنسانية. كما يمتد مبدأ عدم تعريض الأشخاص للخطر (non-refoulement) ليشمل الحالات الصحية، أي لا يجوز إبقاء شخص أو نقله أو احتجازه في ظروف تُهدد حياته أو صحته بشكل جسيم.
وأكد أن القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، يفرض على الدول ضمان الرعاية الصحية للسجناء بما يعادل الرعاية المتاحة خارج السجن، واتخاذ تدابير فورية عند ظهور خطر وبائي. واعتبر أن التقاعس في هذه الحالة قد يُصنّف كانتهاك جسيم للالتزامات الدولية.
ختاماً، أشار الكيلاني إلى أن "ما يحدث في سجن رومية اليوم يُشكّل خطراً مباشراً على حياة السجناء، وتهديداً للصحة العامة خارج السجن، واختباراً حقيقياً لالتزام الدولة اللبنانية بسيادة القانون وحقوق الإنسان". وشدد على أن الإفراج الصحي المؤقت، تخفيف الاكتظاظ، والعلاج العاجل ليست خيارات سياسية، بل واجبات قانونية، وأن أي تأخير إضافي، في ظل المؤشرات الحالية، قد يجعل المسؤولية واضحة وغير قابلة للتنصّل. وأكد أن السجون ليست مناطق خارجة عن القانون، والسجناء لا يفقدون إنسانيتهم ولا حقوقهم، وأن إنقاذ الأرواح في سجن رومية هو واجب قانوني وأخلاقي عاجل، وأي صمت أو تسويف سيُسجَّل كفشل قانوني وإنساني لا يمكن تبريره لاحقاً.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة