احتجاجات الساحل السوري: السلطة تعيد سيناريو العنف والتخوين في مواجهة المطالب المشروعة


هذا الخبر بعنوان "درس سوري حديث.. ومكرر!" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يشير الكاتب محمد محمود هرشو إلى أن الأحداث التي شهدها الساحل السوري اليوم لا يمكن وصفها بـ"حادث أمني"، ولا يمكن اختزالها في شعارات جاهزة مثل "الفلول" أو "الأيادي الخارجية". بل هي لحظة كاشفة تعيد سوريا إلى مشهد مألوف ومخيف في آن واحد: سلطة تواجه احتجاجات شعبية بالخوف، فترد عليها بالعنف، ثم تسعى لاحقًا لتبرير ما ارتكبته ميدانيًا عبر خطاب سياسي وإعلامي.
لم تكن المظاهرات التي خرجت اليوم مسلحة، ولم تكن محاولة انقلاب، ولا مشروع انفصال. لقد كانت صرخة مجتمع يشعر، بحق، بأنه متروك بلا حماية، وأن القتل والخطف والاعتقال والإقصاء أصبحت جزءًا من واقعه اليومي. لم يكن الرد على هذه الصرخات سياسيًا، بل كان استدعاءً فاضحًا لأسوأ أدوات الماضي: الشبيحة، المدرعات، الغاز المسيل للدموع، واتهام جماعي بالخيانة، تمامًا كما فعل نظام بشار الأسد في ربيع عام 2011.
تتحمل السلطة الانتقالية المسؤولية الكاملة عما جرى اليوم، ليس فقط لفشلها، بل لاختيارها مسار الفشل. فقد شهدت سنة كاملة انتهاكات بحق العلويين، تراوحت بين القتل العشوائي في الأرياف والمجازر الجماعية في آذار، والتحريض العلني على المنابر، والاستيلاء على المنازل وتهجير القرى، والفصل الجماعي من الوظائف والاعتقال بلا تهم. كل هذه وقائع موثقة لم تواجهها السلطة بالمحاسبة، بل بالصمت أو التبرير. وعندما يُترك الخوف بلا معالجة سياسية، فإنه يتحول إلى احتجاج. وحين يُقابل الاحتجاج بالتخوين، يتحول إلى صدام. هذه ليست نظرية، بل درس سوري حديث دفع السوريون ثمنه دماً وخراباً وتشظياً.
إن الأخطر في سلوك السلطة اليوم ليس العنف بحد ذاته، بل الخطاب المصاحب له. خطاب يتعامل مع مجتمع كامل بوصفه "مشتبهاً به"، ويختزل المطالبة بالأمان والعدالة في تهمة "الفلول". هذا الخطاب لا يحمي الدولة، بل يهدم ما تبقى من فكرة الدولة، ويدفع الناس، قسرًا، إلى البحث عن حماية بديلة، سواء كانت طائفية أو مناطقية أو خارجية. هكذا يبدأ الانفصال الحقيقي، ليس كشعار، بل كمسار واقعي.
قد ينجح الإعلام المموّل بالنفط مؤقتًا في تزوير الصورة، وقد يملأ الشاشات بالتحريض والتخوين، لكنه عاجز عن تغيير الوقائع على الأرض. إن المسار الذي تسلكه السلطة اليوم معروف نهايته، وقد سلكه نظام الأسد قبلها: مزيد من المجازر، مزيد من التفتيت، ومجتمع أكثر خوفًا وأقل ثقة بأي سلطة مركزية. فالشرعية لا تُبنى بالمدرعات، ولا تُفرض بالغاز، ولا تُستعاد باتهام الضحايا. الشرعية تُبنى بالاعتراف، وبالمحاسبة، وبالتشاركية السياسية، وبوقف القتل اليومي، لا بتبريره. لم يعد السؤال: هل تتعظ السلطة؟ بل، هل يُسمح لسوريا مرة أخرى أن تُجرَّب فيها البديهيات، وكأن مياه النهر يمكن أن تجري مرتين، فيما الدم وحده هو الثابت؟
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة