سوريا 2025: عام التحول وتحديات تصفير المشاكل الداخلية بعد سقوط نظام الأسد


هذا الخبر بعنوان "حصاد السياسة السورية 2025 .. بانتظار تصفير المشاكل السورية الداخلية" نشر أولاً على موقع snacksyrian وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شكل عام 2025 محطة فارقة في التاريخ السوري الحديث، كونه أول عام تعيشه البلاد خارج سطوة حكم "البعث" و"الأسد" منذ ستة عقود، وأولى سنوات المرحلة الانتقالية التي يطمح السوريون من خلالها إلى تحقيق تطلعاتهم في إقامة دولة تحمي جميع مواطنيها وتعمل لأجل مصالحهم.
كان الشهر الأخير من العام 2024 شاهداً على الحدث الأهم بسقوط نظام "بشار الأسد"، ودخول قوات "ردع العدوان" إلى "دمشق" بقيادة "أحمد الشرع"، الذي كان قائداً لـ"هيئة تحرير الشام"، وهي القوة الأبرز والأكبر بين المشاركين في العمليات العسكرية الأخيرة، ما جعل تصدره للمشهد متوقعاً. وحتى الشهر الأول من 2025، لم يكن لـ"الشرع" منصب رسمي سوى قائد العمليات العسكرية، إلى أن عُقد في 29 كانون الثاني مؤتمر "النصر" الذي حضرته عدة فصائل عسكرية بغياب أي حضور مدني أو سياسي، وانتهى بتسمية "الشرع" رئيساً انتقالياً لـ"سوريا"، في خطوة أشبه بالبيعة من الفصائل.
لطالما أعلنت الإدارة السورية الجديدة منذ بداية وصولها للسلطة، رغبتها في "تصفير المشاكل" مع كافة الدول بما فيهم "كيان الاحتلال"، وإعادة "سوريا" إلى محيطها العربي وموقعها الطبيعي بين دول العالم، وتغيير صورتها التي اتسمت بها خلال الحرب كدولة مأزومة تصدر مشاكلها إلى الخارج. وقد طالب كثيرون بتطبيق مبدأ "تصفير المشاكل" على الداخل أيضاً.
رحّب كثيرون بتسمية "الشرع"، بينما انتقدها آخرون بسبب غياب المشاورات أو المشاركة مع القوى المدنية والسياسية في هذا التعيين. في المقابل، برّر البعض الخطوة بأن "الشرع" هو الضامن لتوحيد الفصائل العسكرية وتجنيب البلاد صراعاً فصائلياً، وأنه رئيس مؤقت فحسب سيدير المرحلة الانتقالية.
جاء الرد من السلطة الجديدة على تلك الأصوات بأنها ستعقد مؤتمر حوار وطني واسع يعبّر عن التشاركية ويتيح المجال لسماع أصوات كافة الأطراف. وتم تشكيل لجنة لاختيار المشاركين في الحوار وتنظيم جولات حوارية في المحافظات قبل المؤتمر المركزي في العاصمة. لكن الحوار الموعود خيّب آمال كثيرين، إذ اقتصرت فعالياته على يومين فقط في 24 و25 شباط، وغابت عنه دعوات أي قوى أو أحزاب سياسية، واقتصرت الدعوات على الصفة الشخصية للحاضرين، لينتهي ببيان بدا وكأنه كُتب قبل المؤتمر ودون نتائج فعلية على الأرض، ما أثار استياء العديد من الأطراف التي وجدت نفسها مغيّبة عن المشاركة في الحوار المتسرّع.
لم يمضِ الكثير من الوقت بعد المؤتمر حتى اندلعت أحداث العنف في الساحل السوري مع مطلع آذار، حيث أشعلتها شرارة اعتقال شخص في ريف "اللاذقية" وهجوم مسلح على دورية للأمن العام أودى بحياة عدد من العناصر. انقلب المشهد بسرعة كبيرة إلى هجوم واسع على المناطق الساحلية، لا سيما ريف "اللاذقية" وصولاً إلى "طرطوس" وريفها، وامتد لاحقاً إلى محافظتي "حمص" و"حماة" في القرى والبلدات التي تضم وجوداً لأبناء الطائفة العلوية. فما بدأ كحادث أمني سرعان ما تحوّل إلى مجازر طائفية، لا سيما مع قدوم ما سمي بـ"الفزعات" من المحافظات الأخرى، وهم أشخاص يحملون السلاح دون أن يكونوا عناصر في الجيش أو الأمن، لكنهم شاركوا في الهجوم على الساحل.
أشعلت مجازر الساحل الطائفية موجة غضب ضد السلطة الجديدة، بين مخاوف داخلية من المكونات السورية التي تابعت مقاطع توثق جرائم قتل على أساس طائفي بحت خلال المجزرة، وبين انتقادات خارجية لأداء السلطة تجاه من وصفتهم بـ"الأقليات". وقد تورط بعض عناصر وزارتي الدفاع والداخلية بالانتهاكات من جهة، ولم يقوموا بدورهم في حماية المدنيين من انتهاكات "الفزعات" من جهة أخرى.
في خضم تلك الأحداث، اتخذ "الشرع" خطوة مفاجئة بتوقيعه اتفاق 10 آذار مع قائد قوات سوريا الديمقراطية "مظلوم عبدي"، والذي نص على دمج "قسد" في الجيش السوري ودمج مؤسسات "الإدارة الذاتية" في الدولة السورية خلال مدة لا تتجاوز نهاية العام 2025. ورغم الاحتفالات والتفاؤل حينها بالاتفاق لما يمثله من انفتاح حكومي تجاه الأطراف السورية الأخرى، فإن الاتفاق لم يجد سبيله للتنفيذ على الأرض حتى اليوم مع انتهاء المهلة المنصوص عليها تقريباً، لأسباب مختلفة بين الجانبين اللذين يحمل كل منهما الآخر مسؤولية عرقلة التنفيذ.
أعادت السلطة الجديدة ما فعلته في "مؤتمر النصر" و"الحوار الوطني" في اتخاذ قراراتها وإجراءاتها من طرف واحد ودون تشاركية مع أطراف سياسية ومدنية أخرى، لتصدر في 13 آذار "الإعلان الدستوري" الذي منح "الرئيس" صلاحيات واسعة وألغى منصب رئيس الوزراء، ونص على تشكيل مجلس شعب يعين الرئيس ثلث أعضائه ويعين أيضاً هيئة عليا تختار هيئات فرعية لانتخاب الثلثين المتبقيين، علماً أن المجلس لم يكتمل عقده حتى اليوم بانتظار الثلث الرئاسي.
وبينما كانت حكومة "الإنقاذ" التي عملت سابقاً في "إدلب" قد تسلمت المهام الوزارية من آخر حكومة في عهد "الأسد" بعد سقوطه، فقد أعلن "الشرع" تشكيل حكومة جديدة في 29 آذار يترأسها بنفسه، وحاول إضفاء شيء من التنوع على تشكيلتها عبر تعيين وزيرة "مسيحية" ووزير "علوي" وآخر "كردي"، فيما حافظت "هيئة تحرير الشام" -رغم حلها المعلن- على الحقائب السيادية مثل الداخلية والدفاع والخارجية والعدل، إضافة إلى بعض "التكنوقراط" في وزارات مثل الاتصالات والمالية والاقتصاد والإعلام.
بدأت مقدمات ما سيحدث في "السويداء" في تموز، بمناوشات في "صحنايا" و"جرمانا" بعد انتشار مقطع صوتي مسيء للرسول ونسبه لأحد مشايخ "السويداء" الذي سارع لنفي الأمر كلياً، لكن ذلك لم يوقف حملات التحريض ضد أبناء الطائفة الدرزية، وتجلى ذلك في الجامعات حيث خرجت مظاهرات طلابية تهاجم طلاب "السويداء" وتطالب بطردهم، لتتحول لاحقاً إلى مواجهات مسلحة حاولت القوى الأمنية ضبطها بسرعة ومنع توسعها.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فقد عادت أزمة "التشاركية" لتشعل الخلاف بين "دمشق" و"السويداء" التي طالب وجهاؤها بأن يتم تسليم مهمة الأمن فيها لأبناء المحافظة تحت سلطة وزارتي الدفاع والداخلية. ومع تعثر التوافق بين الطرفين، كانت حادثة خطف شاحنة خضار كافية لإشعال معارك دامية. اندلعت المعارك في تموز بين فصائل السويداء المحلية من جهة، والقوات الحكومية مع مسلحي "العشائر" من جهة أخرى، وسرعان ما تحولت إلى مجازر طائفية وانتهاكات واسعة بحق المدنيين، وأسفرت عن سقوط ضحايا من أبناء المحافظة، إضافة إلى تهجير عائلات من "بدو السويداء" بسبب المعارك الدامية.
أما الأثر السياسي الأكبر لما حدث بعد انسحاب القوات الحكومية و"العشائر" من "السويداء" عقب قصف إسرائيلي استهدف مقر قيادة الأركان في "دمشق"، فقد كان حالة القطيعة بين "السويداء" و"دمشق"، وحالة الحصار التي عاشتها المحافظة بعد انقطاع الطريق الواصل بينها وبين العاصمة. فيما بدا أن الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز "حكمت الهجري" بات الصوت الذي يقود الرأي العام في المحافظة، مع دعوته لاستجلاب دعم من "كيان الاحتلال" ومنح "السويداء" ما يسميه "حق تقرير المصير" وإقامة حكم مستقل عن "دمشق"، ما زاد من حدة الانقسام.
في المقابل، واجهت "السويداء" تخويناً من مؤيدي السلطة الذين دافعوا في الوقت ذاته عن انفتاح الحكومة السورية على توقيع اتفاق أمني مع "كيان الاحتلال". بينما كانت أحداث العنف في "الساحل" و"السويداء" مصدر قلق خارجي، ما دفع نواباً أمريكيين لاشتراط "حماية الأقليات"، وإقامة حكم تشاركي وتطبيق الاتفاق مع "قسد" كبنود مرتبطة برفع "عقوبات قيصر". قبل أن يصوت الكونغرس مؤخراً على رفع العقوبات دون شروط، مع الإبقاء على هذه البنود في الرقابة الدورية على أداء الحكومة السورية، ومنح الرئيس الأمريكي صلاحية فرض "عقوبات" على أفراد وجهات سورية في حال عدم التزام "دمشق" بالنقاط المطلوبة.
لطالما أعلنت الإدارة السورية الجديدة رغبتها في "تصفير المشاكل" مع الخارج، وقد طالب كثيرون بتطبيق هذا المبدأ على الداخل أيضاً، وأن تحل "دمشق" خلافاتها مع الأطراف الداخلية سواءً في "الساحل" أو "السويداء" أو مناطق الجزيرة السورية، بطرق الحوار والتفاوض والتوافق دون اللجوء إلى العنف، وبانفتاح حقيقي نحو التشاركية في اتخاذ القرار وقيادة البلاد نحو المستقبل.
لقد حصد السوريون خلال العام الأول بعد سقوط نظام الأسد، العديد من المكاسب على صعيد الحريات نسبياً، وعلى صعيد تحرر البلاد من قيود العقوبات، وعودة النشاط إلى العمل في الشأن العام من داخل البلاد، وعودة الكثير من النازحين واللاجئين إلى منازلهم لأول مرة منذ سنوات، وتمكن المطلوبون لنظام الأسد من رؤية بلادهم مجدداً، وتخلص جيل الشباب من شبح التجنيد الإجباري الذي كان يهدد سنوات شبابهم، والارتياح الاقتصادي الذي ساد الأسواق بعد زوال عقبات "الترفيق" و"الإتاوات" على الحواجز والتضييق على الصناعيين والتجار.
رغم ذلك، لا تزال الكثير من التحديات بانتظار البلاد الخارجة من حرب دامت 14 عاماً، خاصة على صعيد السياسة الداخلية التي تحتاج انفتاحاً أكبر من السلطة ودعماً لإعادة الحياة السياسية والحزبية، وإقامة حكم تشاركي على أساس المواطنة دون تمييز بين مكونات الشعب السوري، وصولاً للخروج من المرحلة الانتقالية بحكم ديمقراطي عادل وشفاف يلبي تطلعات السوريين.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة