سوريا ما بعد الأسد: المقابر الجماعية تكشف مأساة الماضي وتطرح تحديات العدالة الانتقالية


هذا الخبر بعنوان "بين الحقيقة والعدالة.. المقابر الجماعية تحدٍ لسوريا ما بعد الأسد" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
عقب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول من عام 2024، بدأت تطفو على السطح أكثر الملفات حساسية في عهده، وهي قضية "المقابر الجماعية" التي ظلت طي الكتمان لسنوات عديدة. خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً، اختفى أكثر من 100 ألف شخص وفقاً لتقارير إعلامية صحفية. ولإنهاء معاناة بعض عائلاتهم، تواجه الحكومة الجديدة مهمةً شاقةً تتمثل في استخراج رفاتهم من عشرات المقابر.
أفاد مسؤولون أنه تم تحديد ما لا يقلّ عن 60 مقبرة جماعية في جميع أنحاء سوريا حتى الآن، ويتم العثور على مقابر جديدة بانتظام. لكن معرفة هوية المدفونين فيها جزء من مشكلة أوسع وأكثر تعقيداً لقادة البلاد الجدد، الذين يسعون لتحقيق قدر من المساءلة والعدالة لجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد.
في 8 تشرين الثاني / نوفمبر، وبحسب توثيقات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تم اكتشاف 45 مقبرة جماعية منذ سقوط بشار الأسد، احتوت على رفات 2835 ضحية، بعضهم لم تُعرف لهم أسماء أو هويات. كما وثّق المركز الدولي للعدالة الانتقالية، بالتعاون مع مجموعة “محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان” السورية، حتى 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 134 مقبرة جماعية، مع دلائل على وجود المزيد لم يُكشف عنها بعد.
اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن هذه الأرقام تمثل شهادة دامغة على المأساة التي عاشها السوريون قبل سقوط النظام، الذي قتل آلاف الأبرياء وسجن عشرات الآلاف في ظروف لا يمكن تصورها من تعذيب ممنهج وممارسات وحشية.
يدعو أهالي المفقودين، وفقاً لمصادر صحفية متنوعة، الحكومة والمنظمات الدولية إلى استخراج الجثث وتحديد هويتها. يحذر المسؤولون من أن هذه العملية ستكون طويلة ومضنية، إذ تفتقر الحكومة الجديدة إلى الخبرة الفنية والقدرات الجنائية اللازمة للقيام بذلك، وستحتاج إلى مساعدة من المنظمات الدولية. وفي تصريحات سابقة، قال وزير الطوارئ والكوارث السوري إن ما يقرب من 140 ألف سوري ما زالوا في عداد المفقودين ومجهولي المصير.
شددت منظمات حقوقية على أن التعامل مع المقابر الجماعية يجب أن يتم وفق معايير دولية، تضمن حفظ الأدلة، واحترام كرامة الضحايا، وتأمين حق العائلات في معرفة الحقيقة، باعتبار ذلك جزءاً أساسياً من العدالة الانتقالية، وليس مجرد إجراء إنساني.
نشرت الوكالة السورية للأنباء "سانا" على موقعها الرسمي، وفق إحصائية خاصة عمل عليها "هاشتاغ"، نحو 16 مقبرة جماعية تم العثور عليها في مختلف المناطق الجغرافية السورية. وقد وُجد فارق كبير بين تصريحات المنظمات العالمية وما نشرته الوكالة السورية للأنباء. هذه المقابر الـ 16 تحوي 52 رفاتاً، بالإضافة إلى عدد من المقابر التي اكتفت "سانا" بالقول إنها تحوي عشرات من الجثث والرفات. وضمن ما كشفته الوكالة السورية، فإن الرفات شملت 4 أطفال و 5 نساء و3 رجال وشبان، بينما صنفت بقية الجثث والرفات ضمن مجهولي الهوية.
تم العثور على هذه المقابر في عدة محافظات:
صرح رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، الدكتور محمد رضا جلخي، أن الهيئة وثّقت حتى الثامن من آب/ أغسطس الماضي 63 مقبرة جماعية، فيما يقدر عدد المفقودين ما بين 120 و300 ألف شخص، ضمن ولايتها الزمنية التي تغطي الفترة الممتدة من عام 1970 وحتى الثامن من شهر آب.
أوضح الدكتور جلخي أن التقديرات الحالية لأعداد المفقودين تتراوح بين 120 ألفاً و300 ألف، لكن العدد الفعلي قد يكون أكبر بكثير. وأشار إلى وجود عوامل متعددة تعقّد عملية الحصر، منها عدم تبليغ بعض العائلات لأسباب أمنية أو سياسية، ووجود مفقودين لدى جهات مرتبطة بالنظام البائد بشكل غير رسمي، ولا تملك سجلات أو وثائق عنهم.
تشكّل قضية المفقودين تحدياً إنسانياً واختباراً حقيقياً لسوريا الجديدة، إذ يظل مصيرهم مفتاحاً لفهم حجم المأساة وتحقيق العدالة. وبين المقابر الجماعية وغياب الخبرة الفنية، يظل التعاون الدولي ضرورة لإعطاء العائلات الحقيقة والعدالة التي طال انتظارها.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة