لأكثر من عشر ساعات يوميًا، تقف الخمسينية عذراء محمود في مدينة تل أبيض، لبيع ما تيسر من الخبز لتوفير احتياجات عائلتها المكونة من ستة أفراد. السيدة المهجّرة من دير الزور، تعيل عائلتها وتعتمد على نفسها في تأمين احتياجات العائلة، منذ عام 2014، بعد أن قُتل زوجها في المعارك التي دارت بين قوات النظام السوري السابق و”الجيش الحر”. قالت عذراء لعنب بلدي، إنها تعتمد بشكل أساسي على بيع الخبز يوميًا وتجني ما يقارب 50 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يكفيها لاحتياجاتها اليومية لا أكثر. وذكرت أنها بحثت عن فرصة عمل في المؤسسات والجمعيات في تل أبيض، لكن لم تجد.
وأنت تتجول في أسواق رأس العين وتل أبيض، لا يغيب عن ناظريك مشهد “بسطات” الخبز المنتشرة على الأرصفة ومداخل الأحياء، حيث يعرض الباعة أرغفة الخبز بشكل يومي لبيعها. ورغم توفّر الخبز في الأفران، فإن هذه “البسطات” باتت تشكل مصدر دخل رئيس لعدد من الأسر التي وجدت فيها وسيلة للعمل وتأمين مصدر دخل لهم.
مصدر رئيس للدخل
بجسد نحيل ومرهق، يعمل علي حسام (16 عامًا) مع شقيقيه من مدينة رأس العين على “بسطة” لبيع الخبز، بهدف توفير مستلزمات المنزل وتكاليف أدوية والدهم الذي أُصيب بمرض عضال منذ 12 عامًا. يكسب حسام من بيع الخبز ما يقارب 40 ألف ليرة سورية، وهي مخصصة بالكامل لشراء الأدوية اللازمة لوالده. أما أخواه فيعملان على تأمين مستلزمات المنزل وتوفير احتياجات العائلة من خضار ومواد تموينية.
وقال حسام لعنب بلدي، إن بيع الخبز على “البسطات” أصبح بالنسبة لهم أمرًا أساسيًا، خاصة بعد توقف المشروع الزراعي الخاص بعائلتهم بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل، واضطرارهم لبيع ما تبقى من أغنام كانوا يملكونها. تشكل “بسطات” الخبز مصدر دخل رئيس لعدد من الأسر في رأس العين وتل أبيض – 15 نيسان 2025 (عنب بلدي)
تجارة الخبز
يباع الخبز في الفرن الآلي للسكان عبر معتمدين بسعر أربع ليرات تركية، ما يعادل 1200 ليرة سورية لكل عشرة أرغفة، في حين يُباع على “البسطات” بأسعار تبدأ من 4000 ليرة سورية وصولًا إلى 7000 ليرة سورية، وذلك في أيام العطل الرسمية (يوم الجمعة) أو عند تعطل الفرن.
وتدر تجارة الخبز في تل أبيض ورأس العين مبالغ مالية طائلة على بعض التجار المتنفذين، إذ يشترون الفائض من الخبز من السكان بأسعار منخفضة، ثم يعيدون بيعه لأصحاب “البسطات” بأسعار مرتفعة، مستفيدين من حاجة الأهالي للعمل وضعف الرقابة على هذا النوع من النشاط التجاري.
تاجر خبز في بلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض قال لعنب بلدي، إنه يشتري الخبز يوميًا من الأفران ويبيعه على “البسطات”، محققًا ربحًا يوميًا يصل إلى 400 ألف ليرة سورية. وأوضح أنه ينسق مع بعض الأهالي والمعتمدين لشراء الخبز وتوزيعه في سلوك وأطراف القرى عبر أصحاب “البسطات”. وأضاف أن عمله غير قانوني وقد يعرضه للمساءلة وحتى المحاكمة، لكن بسبب الظروف الاقتصادية في سلوك اضطر للعمل في هذا المجال. وأشار إلى أن أرباح هذه التجارة مكّنته من شراء سيارة بمبلغ 70 مليون ليرة سورية، لافتًا إلى أن هذه التجارة غير دائمة، وفي حال تدقيق الجهات المعنية سيتم إيقاف عمله ومحاسبته.
يباع الخبز على “البسطات” بأسعار تبدأ من 4000 ليرة سورية وصولًا إلى 7000 ليرة سورية – 15 نيسان 2025 (عنب بلدي)
ظروف متردية تفرض “البسطات”
المتحدث باسم المجلس المحلي في رأس العين، زياد ملكي، قال لعنب بلدي إن المجلس على دراية بظاهرة “بسطات” الخبز منذ بدايتها. وأوضح أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والحصار المفروض على المدينة، لم يصدر المجلس أي قرار رسمي بإغلاق هذه “البسطات”، خاصة أنها تحولت إلى مصدر دخل رئيس لعدد كبير من العائلات.
وأضاف أن السبب الرئيس لانتشار هذه الظاهرة هو تراجع النشاط الزراعي مقارنة بالسابق، والاعتماد المتزايد على المجلس المحلي، الذي لا يتلقى أي دعم منظماتي أو حكومي. وأشار ملكي إلى أن المجلس لا يسعى لمحاسبة أصحاب “البسطات”، بل يعمل على توفير فرص بديلة لهم ضمن الإمكانيات المحدودة المتاحة.
اقرأ أيضًا: أزمة الخبز تشتد في رأس العين.. البدائل مكلفة