تنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين DW وعنب بلدي أدت أزمة سياسية متصاعدة في فرنسا إلى إسقاط البرلمان لحكومة فرانسوا بايرو خلال تصويت على الثقة. يمثل هذا الإجراء ضربة قوية لثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، ويجبر الرئيس إيمانويل ماكرون على البحث عن رئيس وزراء رابع في غضون عام واحد فقط.
تمت الإطاحة بـ بايرو بأغلبية كبيرة، حيث صوت 364 نائباً ضد الحكومة مقابل 194 صوتاً مؤيداً. وجاءت هذه النتيجة كرد فعل على رهان بايرو الذي اعتبره الكثيرون خطأ سياسياً فادحاً، حينما حاول إقناع النواب بضرورة خفض الإنفاق العام لمعالجة الديون المتراكمة على فرنسا. إلا أن النواب استغلوا فرصة التصويت للتعبير عن معارضتهم لسياسات بايرو، السياسي الوسطي البالغ من العمر 74 عاماً والذي عينه ماكرون في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
أعلن قصر الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون سيلتقي بـ رئيس الوزراء فرنسوا بايرو لقبول استقالة حكومته، وأنه سيقوم بتعيين رئيس وزراء جديد في الأيام القادمة. وتأتي هذه الاستقالة لتزيد من الضغوط على ماكرون، الذي يخسر بذلك ثاني رئيس وزراء له منذ قراره المفاجئ في عام 2024 بحل الجمعية الوطنية بعد فوز اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي. وقد أدخل هذا القرار البلاد في أزمة سياسية ومالية عميقة، دون أن يتمكن ماكرون من الحصول على أغلبية في الجمعية الجديدة.
يدفع حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) باتجاه إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، حيث صرحت زعيمة الحزب مارين لوبن بأن حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة لم يعد خياراً بل واجباً على ماكرون. إلا أن الرئيس، الذي تنتهي ولايته في عام 2027، يستبعد في الوقت الحالي خيار حل الجمعية الوطنية مرة أخرى. وكشف استطلاع للرأي أن حزب لوبن وحلفاءه سيتصدرون نتائج الدورة الأولى للانتخابات بحصولهم على 33% من الأصوات، متقدمين بفارق كبير على اليسار والمعسكر الرئاسي.
بدأت المشاورات بالفعل، مع سعي الحزب الاشتراكي للعب دور محوري في تشكيل الحكومة القادمة، معبراً عن استعداده لتولي السلطة في إطار حكومة يسارية تستبعد الموالين لـ ماكرون. يجد ماكرون نفسه في موقف صعب، محاصراً بين صعود اليمين المتطرف وتزايد نفوذه، وبين اليسار الراديكالي المتمثل في حزب فرنسا الأبية الذي يزداد تشدداً في معارضته له. هذا الوضع يفرض عليه توسيع قاعدته الوسطية والبحث عن شخصية يمينية أو من الوسط تحظى بقبول الاشتراكيين.
أكد أحد المقربين من الرئيس على الحاجة إلى الاستقرار، وأن القاعدة المشتركة التي يمكن أن تحقق هذا الاستقرار هي الحوار مع الاشتراكيين. إلا أن هذه المهمة تبدو صعبة في ظل تمسك الأحزاب بمواقفها. ويرى ماتيو غالار من معهد إيبسوس لاستطلاعات الرأي أن المشكلة الحالية في فرنسا تكمن في وجود خطوط حمر لدى كل حزب، وأن هذه الخطوط تجعل من المستحيل تشكيل ائتلاف حكومي مستقر.
تتداول أسماء عدة لتولي منصب رئيس الوزراء، من بينها وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو، ووزير العدل جيرالد دارمانان، ووزير الاقتصاد إريك لومبار.
يزداد التحدي أمام ماكرون خطورة في ظل تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ وصوله إلى السلطة في عام 2017، حيث يعبر 77% من الفرنسيين عن استيائهم من إدارته للبلاد. وبالإضافة إلى أزمة الميزانية والمأزق السياسي، تستعد فرنسا لمرحلة من الاضطرابات الاجتماعية، حيث دعت حركة "لنعرقل كل شيء" إلى شل البلاد يوم الأربعاء، كما دعت النقابات إلى يوم إضراب وتظاهرات في 18 أيلول/سبتمبر احتجاجاً على سياسة الحكومة ومشروع الميزانية الذي طرحه بايرو. وتعلن وكالة فيتش يوم الجمعة تصنيفها الائتماني للدين الفرنسي، مع احتمال تراجع علامته في ظل الظروف الحالية.