الجمعة, 27 يونيو 2025 01:42 AM

أسلحة أمريكية بأسماء السكان الأصليين: تكريم أم استعمار ثقافي؟

أسلحة أمريكية بأسماء السكان الأصليين: تكريم أم استعمار ثقافي؟

علي سرور - "توماهوك"، و"أباتشي"، و"بلاك هوك"، و"شينوك"، و"لاكوتا"... ليست هذه مجرد أسماء، بل هي إشارات إلى قبائل من شعوب أمريكا الأصلية، تلك التي أبادها الجيش الأمريكي نفسه قبل قرنين من الزمان.

إن التاريخ الاستعماري للولايات المتحدة لا يتوقف عند صفحات الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد السكان الأصليين في القرون الماضية، بل يمتد إلى يومنا هذا، ويتجلى في ممارسة مثيرة للجدل، وهي إطلاق الجيش الأمريكي أسماء هذه الشعوب على عتاده العسكري.

يبدو الأمر ظاهريًا استحضارًا "فولكلوريًا" لصفات الشجاعة، لكنه في العمق تجسيد لإرث العقلية الإمبراطورية الأمريكية، التي تستعير رموز ضحاياها لتطبعها على أدوات قتل جديدة، تستخدم هذه المرة في غزوات خارجية ضد شعوب أخرى.

تطلق الولايات المتحدة أسماء مثل "توماهوك"، و"أباتشي"، و"بلاك هوك"، و"شينوك"، و"لاكوتا" على صواريخ ومروحيات وقاذفات جوية. جميع هذه المعدات العسكرية تشير إلى قبائل وشخصيات من شعوب أمريكا الأصليين الذين واجهوا الآلة العسكرية الأمريكية ذاتها قبل قرنين.

وفقًا لتقرير نشرته "إذاعة صوت أمريكا" (VOA)، وهي شبكة حكومية فيدرالية، فإن اسم "توماهوك" يمثل فأسًا تقليديًا من تراث شعوب الألجونكوين، كان يستخدم للدفاع والصيد، واليوم أصبح رمزًا لصاروخ موجه يضرب أهدافًا على بعد آلاف الكيلومترات.

أما "الأباتشي" فهي لا تعني مجرد مروحية هجومية، بل يعود أصل التسمية إلى قبيلة مقاومة أظهرت عنادًا شديدًا في وجه القوات الغازية.

حتى اسم "شينوك" الذي يطلق على مروحية نقل ضخمة، مستعار من شعب شينوك الذي سكن شمال غرب المحيط الهادئ، فيما تحولت "لاكوتا" من اسم لأمة أصلية تنتمي إلى شعوب السيو، إلى مروحية استطلاع في ترسانة الجيش.

بدورها، تحمل مروحية "بلاك هوك" قصة تاريخية لحادثة مروعة، إذ ترمز إلى اسم زعيم من قبيلة السوك، قاد تمرداً عسكرياً ضد التوسع الأمريكي في القرن التاسع عشر، انتهى بمجزرة مرعبة.

ووفقاً لموسوعة "بريتانيكا"، وصل الناجون الباقون من القبيلة في آب (أغسطس) 1832، إلى نهر ميسيسيبي محاولين الهرب، لكن القوات الأمريكية رفضت إعلانهم الاستسلام وفتحت نيرانها بشكل عشوائي على الرجال والنساء والأطفال، الذين حاول من بقي منهم السباحة عبر النهر. إلا أن زورقاً حربياً كان في انتظارهم ليجهز على معظمهم. انتهت المذبحة بمقتل ما يقرب من 450 إلى 600 من الأمريكيين الأصليين.

بدأ هذا التقليد بشكل فردي في عام 1947، عندما امتعض الجنرال في الجيش الأمريكي هاملتون هاوز من الألقاب المستخدمة حينها على المعدات، ما دفعه إلى تسمية طائرات الهليكوبتر بأسماء قبائل الأمريكيين الأصليين، معتقداً أنها تثير السرعة والقوة وروح المحارب.

فيما بعد، شُرّع هذا التقليد بشكل رسمي عبر لائحة تنظيمية صدرت عام 1969 تحت اسم Army Regulation 70–28، نصّت صراحةً على تسمية الطائرات العسكرية بأسماء "قبائل أو شخصيات هندية أميركية"، بحجة أن هذه الأسماء توحي بـ"المرونة والعدوانية والشجاعة" وتثير "الخيال والاعتزاز".

ورغم إلغاء هذه القاعدة رسميًا في العقود الأخيرة، إلا أن التقليد ما يزال حيًا ومستمرًا، حتى بات يشكل جزءًا من الهوية البصرية واللغوية للقوات المسلحة الأمريكية.

إن هذه الممارسة، التي يروج لها بعضهم بوصفها "تكريمًا لروح المحاربين"، تعد في نظر كثير من السكان الأصليين الأمريكيين والعلماء والحقوقيين فعلاً استفزازيًا قائمًا على استعمار ثقافي مضاعف.

ذلك أن الدول الاستعمارية عبر التاريخ عمدت إلى طمس أو محو هويات الشعوب التي أخضعتها، فيما تتفرد الولايات المتحدة باستخدام تلك الهوية نفسها في تسمية أدوات القتل، كأنها علقت رموز ضحاياها على جدران متحف للغنائم.

في الوقت الذي يزج فيه باسم "لاكوتا" على مروحية تجسس، تكافح قبائل اللاكوتا الحقيقية من أجل مياه شرب نظيفة وخدمات صحية أساسية، على أراضٍ نزعت منهم منذ أجيال.

ما يفاقم فظاعة هذا التقليد الأمريكي أنه لا مثيل له في العالم، كما لا سوابق في التاريخ الحديث لدولة تسمي أسلحتها بأسماء شعوب أبيدت أو قاومت جيشها. على سبيل المثال، لا تطلق روسيا اسم "الشيشان" أو "شركس" على صواريخها، رغم تاريخها الاستعماري في القوقاز. ومن جهتها، لا تضع الصين اسم "الإيغور" أو "التّبت" على دباباتها، ولا الهند تسمي صواريخها "أغني" و"تريشول" و"برثفي" من مفردات هندوسية ترمز إلى النار والأرض والرماح. لا أحد يعيد تسمية أدوات القتل باسم المقهورين على يده، سوى الجيش الأمريكي.

لا يحمل هذا "التكريم" أي قيمة حقيقية تجاه حقوق الشعوب الأصلية، كما لا يمثل لها عدالة تاريخية تشفيها من هول الإبادة الجماعية التي تعرضت لها.

في المقابل، وتحت غطاء ما يسمى "الاحتفاء بالمقاتلين"، تختبئ عملية إعادة تدوير للخطاب الاستعماري، الذي يفرغ رموز الضحية من معناها، ويصوغها من جديد في قوالب عنف جديدة، تسوق للعالم كثقافة قتالية متميزة.

بالإضافة إلى ذلك، تتحول الأسماء الرمزية إلى خنجر جديد مغروز في ذاكرة شعب لم يشف بعد من جراح الاستيطان والإبادة المنظمة، وهو يرى أن ثقافته تحولت إلى علامة تجارية لطائرات تحمل الموت إلى بلدان أخرى.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: