الأحد, 27 يوليو 2025 08:03 AM

أوباما وترامب: صراع العمالقة في معركة أمريكية لا تنتهي

أوباما وترامب: صراع العمالقة في معركة أمريكية لا تنتهي

جهاد بزي - تعود جذور المواجهة المباشرة بين باراك أوباما ودونالد ترامب إلى مساء 30 أبريل/نيسان 2011. ففي ذلك المساء، كان دونالد ترامب، رجل الأعمال الثري ونجم برنامج "المتدرب Apprentice"، جالساً بين المدعوين إلى حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض في واشنطن. وعلى الجانب الآخر، كان باراك أوباما يعتلي المنصة.

أول رئيس أسود في تاريخ أمريكا، والنجم العالمي، ونجم تلك الليلة تحديداً، أمطر ترامب بسيل من النكات الساخرة. بلغت السخرية ذروتها عندما عُرضت صورة تخيلية للبيت الأبيض في عهد ترامب، وقد أُضيف إليه ثلاثة طوابق تحمل اسم ترامب، بينما تحول المقر الرئاسي إلى فندق وكازينو وملعب غولف. وفي البركة المتخيلة أمام البيت الأبيض، ظهرت شابتان بملابس السباحة تستمتعان بتناول الكحول.

حافظ ترامب على ابتسامته المتكلفة طوال دقائق الانتقام الشرس من أوباما. لكن الكاميرات لم تتمكن من التقاط أي تعبير حقيقي على وجهه. حجم الإذلال الذي تعرض له في تلك الليلة، خصوصاً أنه لم يستطع الرد على أوباما، دفعه، بحسب صديقه ومستشاره روجر ستون، إلى اتخاذ قرار بأن يصبح رئيساً للولايات المتحدة. تخلى أوباما يومها عن دماثته المعهودة، وكانت سخريته جارحة حتى في حق شخص متمرس في التنمر مثل ترامب. لكنها كانت فرصته التي قد لا تتكرر للانتقام من خصمه الذي بدا وكأنه وقع في فخ محكم. وقد انتظر أوباما هذه اللحظة لأكثر من ثلاث سنوات، كان ترامب خلالها لا يكف عن بناء نظرية مؤامرة متكاملة تزعم أن أوباما، ابن الطالب الكيني والأم الأمريكية، لم يولد على الأراضي الأمريكية، وبالتالي لا يحق له أن يكون رئيساً، مصراً على ذكر الاسم الثلاثي لأوباما، مع التركيز على كلمة "حسين" في كل مرة يذكرها.

لم تكن العنصرية والإسلاموفوبيا خافية في تعامل ترامب مع صعود نجم باراك أوباما وتحقيقه إنجازاً تاريخياً بوصول السيناتور الأسود الشاب والأكاديمي والمتحدث البارع إلى أعلى منصب في أمريكا. لكن الأبعد من العنصرية، هو أن ترامب يرفض كل ما يمثله أوباما في صورة أمريكا، والعكس صحيح.

ابن المقاول الثري الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، نشأ منحازاً إلى فكرة أن النجاح لا يتحقق إلا بالقوة: قوة الشخصية، وقوة المال، وقوة الإقناع، وقوة التنمر عند الحاجة. تاجر بالفطرة ينتمي قلباً وقالباً إلى الأكثرية البيضاء والأقلية الأكثر ثراء، ويرى أن واجبه المقدس هو الدفاع عن مصالح هاتين الفئتين بكل ما أوتي من قوة. واجبه كرأسمالي، أن يرى في الرئيس الجمهوري المحافظ رونالد ريغان مثلاً أعلى، وأن يرى في أي نضال حقوقي نسائي أو نقابي أو عرقي أو جندري خطراً "شيوعياً" على أمريكا يجب وأده في مهده قبل أن ينتشر ويصبح وباءً. ترامب لا يحبذ أمريكا المنفتحة على أفكار التسامح وقبول الآخر واندماج شعوب الأرض وثقافاتها وانصهارهم في بوتقتها الواحدة. يحتقر المنظرين لهذه الأفكار، بخلفياتهم الأكاديمية ولغتهم المتكلفة التي غالباً ما تجمل كل ما يراه قبيحاً.

ابن الطالب الأجنبي الكيني، نشأ في كنف أم عزباء من عامة الأمريكيين. قاده اجتهاده إلى نيل شهادة دكتوراه في القانون من كلية الحقوق في هارفارد، وعمل قبلها منظماً مجتمعياً في شيكاغو، مساعداً الطبقات المسحوقة على تحسين فرص عملهم وسكنهم وتعليمهم. اختبر أمريكا من قعرها الطبقي والاجتماعي، ونما سياسياً وثقافياً كأفريقي أمريكي محملاً بثقل تاريخ عرقه وحاضره وحركة الحقوق المدنية ومارتن لوثر كينغ جونيور. كان من المستحيل على سياسي مثل باراك أوباما ألا يكون في المقلب الآخر لأمريكا، تلك التي لا يحبها دونالد ترامب، وكان من المستحيل، بالتالي، ألا يكون الشخصان ضدين تامين، لا يلتقيان إلا على مضض، إما في حفل عشاء سخر فيه أوباما من ترامب، أو في تسليم السلطة وتسلمها، حين فاز ترامب على هيلاري كلينتون رسمياً، لكنه، عملياً، حقق انتصاراً ساحقاً على عدوه اللدود الذي كان يتوقع أن واحداً مثل ترامب لن يصل قط إلى البيت الأبيض.

هذا الصراع بينهما لم ينقطع منذ عام 2008. 17 سنة لم يوفر أحدهما فيها مناسبة لتحطيم الآخر. في ولايته الأولى، ألقى ترامب بكل أزمات أمريكا حينها على سلفه، وقضى على إنجازاته، ومنها الاتفاق النووي الإيراني والعلاقات مع كوبا. وأنهى ولايته باتهام أوباما بالتحضير لانقلاب عليه بعدما أدار بنفسه مؤامرة عنوانها "تدخل روسيا في الانتخابات لمصلحة ترامب". ومع أنه لم يغير من موقفه هذا طوال السنوات الأربع التي قضاها خارج الحكم، إلا أن يديه كانتا مكبلتين بعشرات التهم في قضايا جنائية وأخرى مدنية.

لم يعد مطلوباً جنائياً بعد عودته إلى الرئاسة، وكما وعد وفى، فقد حان وقت الانتقام الشامل. طرد عشرات المدعين العامين، ولاسيما أولئك الذين حققوا في القضايا المتعلقة به، كما طرد الموظفين المؤثرين في الأجهزة الفيدرالية، وفي مقدمتها مكتب التحقيق الفيدرالي FBI، وجلب مخلصين لنهجه وشخصه.

الآن، في خضم الضجة المثارة حول ملفات جيفري إبستين ورفضه الإفراج عن الوثائق، تذكر ترامب مجدداً أن باراك أوباما خطط لانقلاب عليه من خلال المؤامرة الروسية. اتهمه "بالخيانة"، أفظع تهمة ممكنة لأمريكي، فكيف لرئيس سابق؟ نشر فيديو ذكاء اصطناعي، يقبض خلاله عنصرا شرطة على أوباما بينما يجلس في المكتب البيضوي مع الرئيس الذي يضحك ملء فمه، بعدما أفرجت تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الحالية والديموقراطية السابقة، عن تقرير يتهم أوباما بفبركة المؤامرة الروسية. غابارد أحالت الوثائق على وزارة العدل مع توصية بفتح تحقيق جنائي في حق أوباما ومسؤولين آخرين من إدارته. مضمون الوثائق لم يؤخذ بجدية في الوسط الإعلامي، خصوصاً أنه ليس فيها ما يكشف أن أوباما تآمر فعلاً أو اختلق التدخل الروسي الذي حصل في الواقع.

مكتب الرئيس السابق رد على ترامب وغابارد ساخراً من تلفيق الاتهامات لتشتيت الانتباه عن الضجة المحيطة بملفات إبستين، وعبّر عن غضبه من هذه الاتهامات التي استدعت رداً استثنائياً. ولم يتردد أوباما في استمراره في التعاطي بتعالٍ مع ترامب، إذ إنه اضطر إلى الرد هذه المرة، مع أنه عادة لا يرد على "الهراء الصادر من هذا البيت الأبيض"، وهو نفسه البيت الذي تخيّله ساخراً في عام 2011 فندقاً وكازينو وملعب غولف، لكنه لم يرَ فيه ما تحوّل إليه مذ ذاك الحين، أي ساحة معركة أخرى مع عدوه اللدود في حربهما الأمريكية الأبدية.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: