الأحد, 20 أبريل 2025 11:23 AM

إسرائيل والأقليات في سوريا: حماية أم استغلال في لعبة إعادة رسم الخرائط؟

إسرائيل والأقليات في سوريا: حماية أم استغلال في لعبة إعادة رسم الخرائط؟

في خطوة لافتة وغير مسبوقة منذ عقود، دخل مئات الدروز السوريين إلى إسرائيل لزيارة ضريح الشيخ أمين طريف، أحد أبرز الزعماء الروحيين للطائفة. وقد استقبلهم دروز الجولان بأعلام مرفرفة وترحيب حار، في مشهد بدا للوهلة الأولى وكأنه لحظة لمّ شمل عاطفية. لكن خلف هذا اللقاء المثير، تتحرك سياسة إسرائيلية أوسع نطاقاً، تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات في سوريا ما بعد الأسد، عبر تبنّي خطاب "حماية الأقليات". وبينما تبدو هذه المقاربة إنسانية في ظاهرها، إلا أنها تخفي في طياتها رهانات استراتيجية قد تضع الطائفة الدرزية وغيرها من الأقليات السورية في دائرة الخطر.

لماذا تضع إسرائيل الدروز في الواجهة؟

منذ سقوط نظام بشار الأسد، كثّفت إسرائيل تحركاتها باتجاه الأقليات السورية، وعلى رأسها الطائفة الدرزية. وتقول تل أبيب إنها تسعى لحمايتهم من "التهديد الإسلامي المتطرف"، خصوصاً بعد سيطرة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، القائد السابق لـ"جبهة النصرة". وقد تعهدت إسرائيل بمنح دروز سوريا فرص العمل داخلها، ووزعت مساعدات في مناطقهم، بل لوّحت باستخدام القوة لحمايتهم، كما حصل في مدينة جرمانا جنوب دمشق.

الحماية أم الاستغلال؟

تحركات إسرائيل تثير تساؤلات جدية. فبينما تقول إنها توفر "ضمانة أمنية" للدروز، يُخشى أن تؤدي هذه السياسات إلى عزل المجتمع الدرزي داخل سوريا، واتهامه بالتواطؤ مع "العدو"، مما يزيد من مخاطر تعرضه للاستهداف. وقد أدت سنوات الحرب إلى تمتع دروز سوريا بحكم شبه ذاتي، لكنهم رفضوا مراراً أي مشاريع للتقسيم. ومع ذلك، فإن ربطهم بإسرائيل يُفسر في الداخل السوري كمحاولة لتفكيك البلاد، خصوصاً في ظل التوغل الإسرائيلي الأخير في جنوب سوريا، وبناء خطوط دفاعية لا تبدو مؤقتة.

تصعيد على الأرض… وغضب شعبي

التواجد الإسرائيلي قرب الحدود مع درعا والقنيطرة أثار موجة احتجاجات شعبية، ما يعكس تبدل المزاج العام الذي كان سابقاً أكثر تعاطفاً مع إسرائيل خلال عمليات "الجار الطيب". واليوم، تُتهم تل أبيب باستغلال خطاب "حماية الأقليات" لفرض أمر واقع جديد على الأرض.

هل تسعى إسرائيل لتفكيك سوريا عبر الأقليات؟

يتخوّف مراقبون من أن تكون استراتيجية إسرائيل تتجاوز مجرد ردع أمني، لتصل إلى التأثير في مستقبل سوريا السياسي. ويشير بعض المحللين إلى خشية إسرائيل من تحول النظام الجديد في دمشق إلى حليف قوي لتركيا، وهو ما قد يفسر قصفها الأخير لقاعدة سورية وسط أنباء عن احتمال نشر دفاعات تركية فيها.

رهان على الأكراد أيضاً

لا تقتصر تحركات إسرائيل على الدروز. فقد وسعت "ضماناتها الأمنية" لتشمل الأكراد أيضاً. إذ تُعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شريكاً محتملاً، لما لها من نفوذ في شمال شرقي سوريا، وقدرتها على تشكيل كيان شبه مستقل، شبيه بكردستان العراق.

نتائج عكسية محتملة

رغم طابعها "الوقائي"، قد تؤدي هذه السياسة إلى نتائج عكسية تماماً. فبدلاً من الحد من النفوذ التركي، قد تدفع بالشرع نحو مزيد من التعاون مع أنقرة، خاصةً في ظل محاولاته بناء علاقات مع الدول العربية. ويُطرح هنا سؤال محوري: هل إسرائيل فعلاً مستعدة لحماية الأقليات في سوريا على الأرض، أم أن "الضمانات" التي تقدمها لا تتجاوز حدود التصريحات السياسية؟ حتى اللحظة، لم تُترجم هذه التعهدات إلى خطوات عملية واضحة.

خلاصة: بين التطمينات والمخاوف

قد تبدو إسرائيل اليوم فاعلاً رئيسياً في إعادة رسم خريطة سوريا، لكنها قد تكون أيضاً سبباً في زعزعة استقرار الأقليات التي تقول إنها تسعى لحمايتها. ومع تفاقم الفوضى الإقليمية، تبقى الأسئلة مفتوحة:

  • هل تنجح إسرائيل في استقطاب الأقليات دون دفعها نحو العزلة؟
  • وهل تنجح فعلاً في تقليص النفوذ التركي، أم أنها تمهد له الطريق؟

الواقع السوري المعقد لا يحتمل وصفات جاهزة، وقد تكون "حماية الأقليات" عنواناً جميلاً يخفي وراءه حسابات أكثر خطورة.

مشاركة المقال: