الجمعة, 4 يوليو 2025 04:51 AM

البرسيس: لعبة دمشقية تتحدى الزمن وتحيي ذكريات الطفولة

البرسيس: لعبة دمشقية تتحدى الزمن وتحيي ذكريات الطفولة

في الذاكرة الجمعية لأهل دمشق، تتجاوز لعبة "البرسيس" كونها مجرد تسلية، لتصبح جزءًا من طقوس الطفولة العريقة ونقشًا لا يُمحى في الذاكرة. مع كل صيف يطل، تعود أصداء الضحكات إلى الأزقة، حاملة معها عبق الماضي الجميل الذي تجسده "البرسيس".

برقعتها القماشية وأقراصها الأربعة المميزة، كانت "البرسيس" رفيقة سهرات البيوت والحارات، وملتقى العائلات والجيران. لم تقتصر أهميتها على الترفيه، بل تحولت إلى رمز من رموز التراث الشعبي الذي يعتز به الدمشقيون.

حتى في زمن الحرب، لم تغب "البرسيس" عن المشهد. تروي سندريلا، ابنة دمشق، قائلة: "خلال فترة الثورة، ومع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وأصوات الاشتباكات التي تعم المكان، كنا نلجأ إلى رقعة البرسيس لننسى خوفنا. كنا نلعب وسط الرصاص، ونقتنص لحظات من الأمان وسط الفوضى العارمة".

تتألف "البرسيس" من رقعة قماشية مربعة مقسمة إلى مسارات، حيث يمثل كل لاعب بلون مختلف، ويمتلك أربعة أحجار تعرف بـ "الجنود". يتم استخدام أربعة أقراص خشبية صغيرة تسمى "قراصيص"، تُرمى دفعة واحدة، ويُحسب عدد الوجوه الغامقة لتحديد عدد الخطوات المتاحة.

الهدف من اللعبة هو إيصال الجنود إلى نهاية المسار، مع الحرص على تجنب الاصطدام بخصوم قد يعيدون الجندي إلى نقطة البداية. وعندما يلتقي حجران من نفس اللون في مربع واحد، يشكلان "حصنًا" لا يمكن تجاوزه، بينما يسمح التقدم الذكي أو المفاجئ بإقصاء الأحجار الأخرى.

لا تعتمد اللعبة على الحظ وحده، بل تتطلب مهارة في المراوغة والتخطيط، بالإضافة إلى الموازنة بين الهجوم والحذر. وتشتد المنافسة وسط الضحكات والنقاشات، في جلسات عائلية تعيد شيئًا من بساطة الأيام الخوالي.

لم تكن "البرسيس" مجرد وسيلة للهروب من الملل، بل كانت في بعض الأحيان وسيلة للمقاومة. ففي أحلك الظروف، كانت هذه الرقعة الصغيرة تمنح العائلة لحظة من التماسك، وتحول الصمت إلى حكاية.

مشاركة المقال: