السبت, 5 يوليو 2025 09:08 PM

السودان على مفترق طرق: هل يتجه نحو دولتين أم يبقى دولة بلا نظام؟

السودان على مفترق طرق: هل يتجه نحو دولتين أم يبقى دولة بلا نظام؟

أثارت التطورات السياسية المتسارعة في السودان مخاوف جمة، خاصةً مع إعلان تحالف «تأسيس» المدعوم من «قوات الدعم السريع» عن هيكله القيادي ونيته تشكيل «حكومة» في المناطق الخاضعة لسيطرته. بالتوازي، يواجه تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش، والتي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، تعثرًا ملحوظًا، مما يثير شبح تقسيم السودان وتجزئته.

أعرب معارضون وموالون لكلا الطرفين عن قلقهم العميق حيال وحدة البلاد، محذرين من خطر نشوء دولة داخل دولة، أو تقسيم البلاد إلى دولتين، على غرار انفصال جنوب السودان. وأثار هؤلاء تساؤلات حول شرعية الحكومتين المتنافستين وتعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي أوجدتها الحرب.

في نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، أعلن «تحالف السودان التأسيسي» («تأسيس») يوم الثلاثاء الماضي عن تشكيل هيئته القيادية برئاسة قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ونائبه رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال» عبد العزيز آدم الحلو. واعتبرت هذه الخطوة تمهيدًا لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع».

تكوَّن تحالف «تأسيس» في فبراير الماضي في نيروبي، كينيا، من «قوات الدعم السريع»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان – المجلس الانتقالي»، و«تجمّع قوى تحرير السودان»، وهي حركات مسلحة في دارفور وجنوب كردفان، بالإضافة إلى قوى وأحزاب سياسية على رأسها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و»الحزب الاتحادي الديمقراطي»، تيار محمد الحسن الميرغني.

وقَّع أعضاء هذا التحالف على إعلان سياسي ودستور انتقالي، معلنين عزمهم تشكيل حكومة تحت اسم «حكومة السلام والوحدة» تنطلق من مناطق سيطرة «الدعم السريع» بهدف السيطرة على كامل السودان. إلا أن تشكيل هذه «الحكومة» واجه تأخيرًا ملحوظًا، رغم توقعات المراقبين بتشكيلها الوشيك بعد إعلان الهيئة القيادية للتحالف.

في المقابل، تعثر أيضًا تشكيل الحكومة التي يرعاها الجيش. فبعد إصدار عبد الفتاح البرهان، رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي وقائد الجيش، مرسومًا بتعيين كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، واجهت هذه الخطوة تعقيدات عدة، أبرزها الخلافات حول المناصب الوزارية، خاصةً مع حلفاء الجيش في «القوات المشتركة» الدارفورية التي تقاتل إلى جانبه ضد «الدعم السريع».

تصر كل من «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة جبريل إبراهيم، على الاحتفاظ بوزارتي المالية والمعادن، ملمحين إلى إمكانية فض الشراكة مع الجيش، بل والتحالف مع «قوات الدعم السريع».

في غضون ذلك، لا تعترف القوى المدنية الرافضة للحرب، والمتمثلة في تحالف «صمود» على الأقل، بشرعية أي من الحكومتين المزمعتين. فهي ترى أن الحكومة التي يرعاها الجيش هي «ثمرة انقلاب عسكري» ضد حكومة «الثورة» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، كما تعتبر الحكومة الموعودة من التحالف خطوة تهدد وحدة البلاد وسيادتها.

يتوزع كل من الجيش و«قوات الدعم السريع» السيطرة على مناطق مختلفة في السودان. تسيطر الحكومة الموالية للجيش على ولايات الوسط والشرق والشمال (سنار، ومعظم النيل الأزرق، ومعظم جنوب كردفان، والقضارف، وكسلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية)، وتتقاسم مع «قوات الدعم السريع» السيطرة على شمال كردفان.

تسيطر «قوات الدعم السريع» على ولايات دارفور الخمس (جنوب، وغرب، وشرق، ووسط، وشمال دارفور)، باستثناء الفاشر. وتوجد جيوب تسيطر عليها «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور، وأجزاء تسيطر عليها «القوات المشتركة»، وولاية غرب كردفان، باستثناء مدينة بابنوسة، وأجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان، والأجزاء الشمالية من جنوب كردفان، وبعض المناطق في جنوبها تسيطر عليها «الحركة الشعبية».

أكد قادة «قوات الدعم السريع» مرارًا أن هدفهم هو «سد الفراغ الإداري في مناطق سيطرتها»، وأن «الدعم السريع يعمل على توحيد البلاد وتحريرها» من سيطرة خصومه الإسلاميين، مع عدم الاعتراف بحكومة الجيش. إلا أن خطوة تشكيل حكومة أثارت قلقًا كبيرًا على المستويين المحلي والدولي، خشية تكرار تجربة انفصال جنوب السودان، أو على الأقل الانتقال إلى حكومتين في دولة واحدة.

بالنظر إلى تحالف الجيش مع «القوات المشتركة»، وهي حركات دارفورية مسلحة، لا يمكنه الحديث عن فصل دارفور والأقاليم الغربية. لكن بعض حلفائه الإسلاميين لا يخفون رغبتهم في التخلص من الغرب كما فعلوا مع جنوب السودان. وفي الوقت نفسه، يتغاضى الجيش عن تحركات مجموعات محسوبة على شمال ووسط البلاد تدعو علنًا لفكرة فصل غرب السودان عن وسطه وشماله، بذريعة التمايز التاريخي والثقافي، وهي نفس الذرائع التي أدت إلى انفصال جنوب السودان.

حذر المبعوث الأميركي السابق إلى السودان، توم بيريلليو، من دعوات التقسيم وما قد تؤدي إليه من كوارث، قائلاً: «تقسيم السودان قد يزج العالم في عقود من الحرب». وحذر من إنشاء حكومات موازية تؤدي إلى ازدياد الاستقطاب وتعجل في تشظي البلاد إلى دويلات متناحرة.

تساءل المحلل السياسي محمد لطيف: «لماذا الحرب؟»، وأضاف: «بصفتي مراقبًا أقول إن الدلائل كلها تؤكد أن الحرب اندلعت من أجل استعادة الإسلاميين السلطة... وخطوة تحالف (تأسيس) وإن زعم العكس، لن تتعدى كونها أداة ضغط على الجيش وحلفائه للعودة إلى منصة التفاوض».

استبعد لطيف أن يسفر الضغط عن إعادة الجيش إلى مائدة التفاوض، مضيفًا: «من التجربة التاريخية، فإن التيار المسيطر على المشهد ليس حريصًا على وحدة البلاد، وليس منزعجًا من تشظيها». وتابع: «سمعنا أصواتًا كثيرة جدًا تتكلم عن ضرورة ذهاب دارفور، لأن قوات الدعم السريع بحسب تصورهم تمثل دارفور. ولذا لا تشكل خطوة الدعم السريع ضغطًا على خصومه، بل سترضي بعض غلاتهم».

وحول قدرة الجهود التي أعلنتها إدارة الرئيس ترمب وحلفاؤه على دفع الطرفين إلى مائدة الحوار، قال لطيف: «هذا يتوقف على قدرتهم على التأثير على قيادة الجيش تحديدًا».

وفي تطور جديد، أعلن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، عن تنظيم مؤتمر على المستوى الوزاري في واشنطن قريبًا لبحث الأزمة في السودان، بمشاركة وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأميركي. وأكد بولس أن هدف المؤتمر هو إحياء المبادرة الرباعية التي تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع الدائر في السودان.

أوضح لطيف أن العالم ينتظر من قيادة الجيش أن تنفصل عن التيارات الرئيسة الداعمة لها، وعلى رأسها تيار «الإسلاميين» الذين يقفون حجر عثرة أمام أي تفاوض لوقف الحرب. وأضاف: «إذا نجح أي طرف في إبعادهم، فيمكن تحقيق الهدف النهائي، والعودة لطاولة التفاوض».

وحول تصريحات قائد «الدعم السريع» الأخيرة عن الرفض للعودة إلى التفاوض، قال لطيف إنها «شكل من أشكال المناورة... لكن الإشكال الأكبر أن المعركة أصبحت بين (الدعم السريع) والحركة الإسلامية، فإذا نجح العالم في فصل أو تحجيم العلاقة بين الجيش بصفته قوة رسمية، وحلفائه السياسيين، فيمكن العودة لمنصة التفاوض».

حذر محمد الفكي محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق، من تشكيل حكومة في بورتسودان، قائلاً: «من باب المسؤولية الوطنية، يجب وقف تشكيل الحكومة، وبدء عملية سياسية تحفظ وحدة السودان». ثم حذر سليمان من احتمالات مواجهة بين أطراف تحالف «بورتسودان»، وناشد قائد الجيش البرهان إيقاف تشكيل الحكومة؛ لأن «تشكيل حكومة في ظل الانقسام الحالي ينذر بتفتيت البلاد».

يرى الفكي أنه لا علاقة للصراع الدائر في بورتسودان بما تسمى «حرب الكرامة»، لأن الأخيرة «حرب سافرة على السلطة... والدليل على ذلك أن نسبة 25 في المائة من كراسي الوزارة الجاري التنافس عليها محصورة بوزارات بعينها». ثم أوضح أن الهدف من تشكيل حكومة في بورتسودان، وتكليف كامل إدريس رئيسًا لها، لم يتحقق، و«الحكومة التي يتجه لتشكيلها ستكون مصيبة» وقد تؤدي إلى فض التحالف، وتابع: «الوضع أكثر تعقيدًا. قد نجد أنفسنا في دولتين، إذا استمر الانقسام، ولن ينتهي في حدوده، وسينتهي بتفكك البلاد».

خلال لقاء تلفزيوني، شنّ أمين حسن عمر، القيادي الإسلامي والوزير السابق في حكومة عمر البشير، هجومًا على دعاة وقف الحرب، واصفًا إياهم بأنهم «ليس شركاء في الوطن بل شركاء للدعم السريع (الجنجويد بحسب عبارته)»، ودعا إلى محاكمتهم بوصفهم «شركاء في الحرب وفي تأجيجها». وأضاف: «هم مجموعة الأفراد الذين يكوّنون ما يُعرف بـ(تقدم)، والآن هم في (صمود)... إنهم يمثلون هذا العنوان والظهير الذي استندوا إليه».

شكك عمر أيضًا في إعطاء رئيس الوزراء صلاحيات كاملة، ووصفه بأنه «أمر متوهم... هذه ظروف استثنائية، لن تعالج بالتمسك بالحقوق بل التسويات، لا سيما أنه رئيس وزراء معين». وأردف: «صانع المُلك هو مجلس السيادة، الذي يملك سلطة التعيين، لو لم يتدخل سيكون له نفوذ، وسيظل رئيس الوزراء مقيدًا».

صرح علاء الدين عوض نقد، الناطق الرسمي باسم الهيئة القيادية لتحالف «تأسيس»، بأن «أيامًا فقط» تفصل بينهم وتشكيل الحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وأن تأخير إعلانها يعود إلى دواعٍ أمنية وتنسيق سياسي، إلى جانب جهود يبذلونها مع أطراف إقليمية ودولية.

أوضح نقد أن أجهزة الحكومة ستكون موزعة على الرقعة الجغرافية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» وحلفائها، و«يمكن أن تكون في كاودا – تحت سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان، أو نيالا».

نفى نقد بشدة سعي تحالفه «تأسيس» للانفصال عن السودان، قائلاً: «السودان دولة واحدة، ونحن ننشئ حكومة سلام، ليس من غاياتها تقسيم البلاد، بل مناهضة تقسيم السودان، الذي يقوم به الطرف الآخر وحكومة الإسلاميين».

أوضح نقد أن «حكومته» المزمعة ستتضمن جهازًا تنفيذيًا وبرلمانًا وجهازًا قضائيًا، وتابع: «نحن مستمرون في تحرير السودان من الإسلاميين المسيطرين، ولن نعمل على تقسيم السودان. مَن يسعى لفصل السودان هو جيش الإسلاميين. نحن لن ننشئ حكومتنا في دارفور، ونترك بقية السودان للجماعات الإسلامية الإرهابية».

وعلق نقد على ما يتردد بأن هدف حكومة «تأسيس» هو الضغط على الجيش لإجباره على الجلوس على مائدة التفاوض، قائلاً: «محمد حمدان دقلو، قال لن يعودوا إلى منبر جدة، فكيف سنضغطهم للجلوس على طاولة المفاوضات؟ كل المفاوضات السابقة ذهب إليها (الدعم السريع) وخربها الجيش السوداني، لذلك لا يمكن بعد أكثر من سنتين وخراب للتفاوض، أن نعمل على التفاوض معهم».

وأضاف: «لن نذهب إلى أي تفاوض. نحن نتقدم عسكرياً لنحرر السودان من المؤتمر الوطني الذي يرعى المطلوبين للعدالة الجنائية». واستطرد: «كنا ننادي بالفصل بين الإسلاميين والجيش في بداية الحرب. لكن باستمرارها، اتضح للناس أن الجيش هو جيش الإسلاميين. نحن سنعمل على تكوين جيش جديد من (الدعم السريع)، والحركات المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان، وما تبقى من الجيش السوداني».

مشاركة المقال: