الثلاثاء, 22 يوليو 2025 07:36 AM

السويداء: صراع السيادة الوطنية أم نافذة للتدخلات الخارجية؟

السويداء: صراع السيادة الوطنية أم نافذة للتدخلات الخارجية؟

بقلم: أحمد اللبان

تشهد سوريا منعطفاً حاسماً يختبر قدرتها على الحفاظ على كيانها كدولة مركزية في مواجهة تحديات المشاريع الطائفية والانفصالية. يتزامن هذا مع تصعيد ملحوظ في الجنوب، خاصة في محافظة السويداء، حيث تتخذ الأزمة أبعاداً تتجاوز الشأن المحلي، مما يثير دعوات لتدخلات تخدم مصالح شخصية أو أجندات خارجية تحت غطاء إنساني أو طائفي.

لا يمكن فهم الأحداث في السويداء بمعزل عن تحركات القوى الخارجية، حيث تلوح في الأفق ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

  1. تدخل دولي بذريعة "حماية الأقليات"، وهو تكتيك سبق استخدامه لتبرير وجود أجنبي في الجنوب السوري.
  2. تدخل إسرائيلي مباشر أو غير مباشر تحت شعار "حماية الدروز"، خاصة إذا طال أمد الصراع، حيث أن الفوضى الأمنية تتطلب حلاً حاسماً.
  3. تدويل القضية عبر مجلس الأمن تحت شعار "الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين"، وهو السيناريو الأخطر لأنه يقوض مفهوم السيادة الوطنية.

يبرز الهجري كشخصية تسعى إلى تحقيق زعامة طائفية على حساب الدولة، مستغلاً موقعه الرمزي داخل طائفته. لم يعد تحركه مقتصراً على دور ديني محلي، بل أصبح فاعلاً سياسياً مستقلاً يسعى لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة. يراهن الهجري على إطالة أمد الأزمة لاستنزاف الدولة وإضعاف قدرتها على فرض سلطتها، بالإضافة إلى خلق توترات أهلية من خلال حشد الدروز خلفه وعزل الشخصيات الوطنية مثل الشيخ البلعوس، مما يتيح له تقديم نفسه كممثل حصري للطائفة الدرزية.

يبدو أنه يعتمد على خلاف محتمل بين الحلفاء، خاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مما قد يدفع إسرائيل إلى التدخل المباشر لحماية مصالحها عبر البوابة الدرزية.

تتبنى الدولة السورية موقفاً حازماً لا يقبل الحلول الوسط، حيث أن التراجع أمام الهجري ليس خياراً قابلاً للتطبيق للأسباب التالية:

  1. فقدان الثقة بالشيخ الهجري بسبب نقضه المتكرر للاتفاقات ورفضه الاعتراف بالحكومة كمصدر للشرعية.
  2. تأثير ذلك على قضايا وطنية أخرى، مثل ملف قسد، حيث أن أي تراجع حكومي في الجنوب قد يُفسر على أنه ضعف مركزي ويشجع على الانفصال.
  3. الوصول إلى نقطة اللاعودة، حيث أصبح التقدم ضرورياً والتراجع كارثياً، مما يجعل إخراج الهجري من المشهد ضرورة وجودية لحماية وحدة الدولة.

لمواجهة هذا التحدي، لجأت الدولة إلى إعادة تشكيل أدوات القوة السنية داخل سوريا، مدركة أن الطائفية تتفوق على الدولة عندما تكون أدوات الأغلبية الوطنية (السنة) معطلة. لذلك، سعت إلى إعادة الاعتبار للحاضنة المدنية السنية، بدءاً من النفير في الساحل، وهو أول تحرك ميداني يعيد للمدن السنية حضورها بعد عقود من التهميش. كما عملت على تفعيل دور العشائر السنية كأداة مضادة للطائفية، مستعيدة بذلك منظومة اجتماعية مغيبة قسراً.

تهدف الدولة إلى خلق توازن جديد يقوم على حيادها وتمكين قواها المجتمعية، لتصبح المعادلة: المدنية مقابل الانفصال، والعشيرة مقابل الطائفة. بهذه المعادلة، لم يعد السنة مجرد ضحية للمشروع الطائفي، بل طرف يمتلك أدوات الردع والتأثير، في لحظة عودة إلى التاريخ بعد عقود من الإقصاء، وبذلك يعاد إنتاج التوازن الوطني من الداخل، لا عبر التماهي مع الطوائف، بل بتمكين القوة المجتمعية الأكثر تضرراً من المشروع الطائفي والانفصالي.

ختاماً، ما يحدث في السويداء ليس مجرد أزمة محلية، بل هو صراع على مستقبل سوريا كوطن ودولة. القرار اليوم لا يحتمل التردد، فإما أن تُفرض هيبة الدولة بكامل أدواتها، وإما أن تُفتح البلاد على تدخلات لا يمكن التنبؤ بعواقبها. الرهان في النهاية على قدرة السوريين في الداخل على تجاوز الانقسام واستعادة المبادرة الوطنية قبل أن تُصادر مجدداً من الخارج.

مشاركة المقال: