من سفوح جبال (جبلة واللاذقية) تفوح رائحة نبتة الشيح، حاملة معها تاريخاً طويلاً من الاستخدامات الطبية الشعبية التي ما زالت تحتل مكانة هامة في حياة سكان القرى والمنازل القديمة. هذه النبتة البرية، التي تنمو في الأماكن المرتفعة وتتمايل مع الرياح، متأصلة في قلوب الناس كما هي متجذرة في أرضهم.
يقول "أبو سليمان"، أحد سكان ريف جبلة، في حديث لصحيفة "الحرية"، إن أجداده كانوا يغلون الشيح ويشربونه عند الشعور بالبرد أو المغص، موضحاً أنه يستخدمه عند الشعور بآلام في المعدة أو التعب، فهو علاج طبيعي وفعال وغير مكلف. وتشير "أم حسن" إلى أن معظم سكان قريتها يعتمدون على الشيح في علاج الأمراض الشائعة مثل نزلات البرد، واضطرابات الجهاز الهضمي، والتهابات الحلق، وحتى لدغات الحشرات، مبينة أن البعض يعتبره بديلاً آمناً للأدوية الكيميائية، بينما يراه آخرون جزءاً من تقاليد موروثة لا تنفصل عن الحياة اليومية.
في سوق العطارين بمدينة اللاذقية، يوضح العطار "أبو خالد" أن الشيح من أكثر الأعشاب طلباً، مبيناً أن الناس تدرك قيمته العلاجية وتثق بفعاليته، خاصة إذا استُخدم بطريقة صحيحة، لافتاً إلى أن هناك من يشتريه بكميات كبيرة، خاصة في فصل الشتاء، لاستخدامه في الغلي، أو الدهن الموضعي، أو حتى كبخور. ويضيف أبو خالد أن استخدام الشيح لا يقتصر على الطب الشعبي فقط، بل يمتد ليشمل الطقوس اليومية مثل تعقيم المنازل وطرد الحشرات، مما يعزز مكانته في حياة الناس.
أوضحت الدكتورة نور علي، اختصاصية الأعشاب الطبية والتغذية العلاجية، لـ"الحرية" أن الشيح يحتوي على مركبات فعالة، من أبرزها "الأرتيميسينين"، التي تُعرف بخصائصها المضادة للطفيليات والميكروبات. لكنها حذرت من الإفراط في استخدامه، مشيرة إلى أن الجرعات العالية قد تسبب تهيجاً في المعدة أو اضطرابات في النوم، كما ينبغي توخي الحذر بشكل خاص لدى الأطفال والحوامل. وأكدت الشامي أهمية استشارة مختص قبل استخدام أي عشبة كعلاج بديل، لضمان الاستخدام الآمن والفعال.
من جهته، أشار المهندس الزراعي باسم عيسى إلى أن الشيح ليس مجرد نبتة طبية، بل هو جزء حي من الذاكرة الشعبية، حيث تلتقي الحكمة المتوارثة مع عطايا الطبيعة، مبيناً أن الشيح من الكنوز التي تنمو بصمت في أحضان الطبيعة وهو جزء من التراث الشعبي الموجود على جبال الساحل السوري.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية