الأحد, 26 أكتوبر 2025 05:03 PM

الشيخ سعد في حوران: قرية تحتضن آثار حضارات عريقة وتاريخاً يمتد لآلاف السنين

الشيخ سعد في حوران: قرية تحتضن آثار حضارات عريقة وتاريخاً يمتد لآلاف السنين

تحكي كل زاوية في حوران قصة أثرية فريدة، تتصل بإرث تاريخي عريق. قرية الشيخ سعد، القائمة على تل يحمل الاسم نفسه، لطالما جذبت سكانها بفضل سهولها الخصبة ومياهها الوفيرة منذ القدم.

أوضح رئيس دائرة آثار درعا الدكتور محمد خير نصر الله لـ"الحرية" أن القرية عرفت في الفترة الكنعانية باسم قرنيم في الألف الثالثة قبل الميلاد. وفي الألف الثاني قبل الميلاد، تعرضت لغزو من الجيوش العيلامية القادمة من الشمال، مما أدى إلى تدميرها بالكامل. خلال هذه الفترة، تناوبت عليها قوى مختلفة، بما في ذلك الحثيين في الشمال والمصريين في الجنوب.

وأضاف رئيس الدائرة أنها عرفت أيضاً باسم دير أيوب، باعتبارها مقراً للنبي أيوب، الذي وُصف بأنه ملك عشتروت (عشترة حالياً). يوجد فيها ما يعرف باسم حمّام النبي أيوب، حيث يُعتقد أن النبي أيوب عليه السلام قد وطئ بقدمه هذا المكان، فخرج نبع الماء واغتسل منه وشُفي. بُني هذا الحمّام فوق النبع. أما في الفترة اليونانية، فقد عرفت باسم لاريسا، وهو الحي اليوناني الذي يطلق عليه حالياً اسم الخشعة شمال غرب التل. وفي الفترة البيزنطية، سُميت بـ(كاريناس)، وأصبحت أسقفية تابعة لميتروبولتانية بصرى.

وأشار إلى أنه في الفترة الإسلامية، رحل إليها الصحابي الجليل سعد بن عبادة حامل راية الأنصار وتوفي فيها سنة 13- 14 للهجرة، وتأتي تسميتها نسبةً لهذا الصحابي الجليل. وفي الفترة الأموية، اتخذها الخليفة مروان بن محمد سنة 127 هجرية قاعدة لتجهيز جيشه لإخضاع المتمردين على سلطته في الجنوب.

وأكد أن دائرة آثار درعا نفذت أعمال تنقيب أثرية في عام 2007م، واكتشفت مبنى ذا أهمية تاريخية كبيرة، وهو جزء من المعبد الروماني الذي أقيم تخليداً للصخرة المقدسة التي تعود للنبي أيوب عليه السلام، والتي تم الكشف عنها على عمق 350 سم. هذه الصخرة موجودة قبل فترة رمسيس الثاني بحوالي 300 سنة تقريباً، وذلك إذا صحت الرواية التي تترجم النص الذي وجد عليها منقوشاً باللغة الهيروغليفية، وتشير إلى الفرعون رمسيس الثاني الذي جاء بعد ظهور النبي أيوب بـ 300 سنة تقريباً على رأي أغلب المؤرخين العرب.

وفي وصف المسلة الفرعونية المكتشفة (الصخرة المشار إليها آنفاً)، أوضح أمين متحف درعا الآثاري وائل كيوان لـ"الحرية" أن ارتفاعها كاملاً يبلغ 310سم ومتوسط عرضها حوالي 125سم وسماكتها 62 سم تقريباً، وهي مؤلفة من قطعتين الأولى تحمل بعض النقوش والكتابات الهيروغليفية ولكنها غير واضحة للعيان كثيراً، وإلى يمين المسلة يظهر رأس رمسيس الثاني وعليه تاج الملك، وإلى اليسار تظهر صورة جانبية لشخص مجهول الهوية، وهناك رأيان بشأنها، الأول يعتقد أن تكون لحاكم المدينة وهو ينظر إلى الفرعون بوقار، وبالكاد ترى يده اليمنى تمتد إليه، وربما تفسر بأنه يطلب العون منه أو تدل على الترحاب بالفاتح الجديد، وهذا يدفع للاعتقاد أن الجيش المصري فتح مدينة قرنيم (الشيخ سعد) صلحاً لا عنوةً، الأمر الذي دفع الفرعون لإبقائه على حكم المدينة ووضع صورته إلى جانبه كنوع من تثبيت ملكه وتبعيته له، والرأي الثاني ربما أنها لآلهة مصرية تقدم مفاتيح المدينة وتبارك النصر للفرعون، وبين الصورتين تظهر الكتابة الهيروغليفية وعلى ثلاثة حقول طولانية قد تكون نصاً لمعاهدة أو تخليداً لهذا الانتصار.

وأشار كيوان إلى أن المسلة الفرعونية تتصدر الآن واجهة متحف درعا، كقطعة أثرية توثق لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخ حوران.

مشاركة المقال: