السبت, 18 أكتوبر 2025 11:59 PM

المصالحة في سوريا: رؤية شاملة للعدالة والسلام المستدام

المصالحة في سوريا: رؤية شاملة للعدالة والسلام المستدام

بعد أكثر من عقد على الصراع الذي أضر بالنسيج الاجتماعي السوري وهيكل الدولة، لم يعد السلام الدائم مجرد هدف سياسي، بل ضرورة وجودية واستراتيجية. يتطلب هذا مسعى متكامل يدمج العدالة الانتقالية والحوار الوطني والإصلاح المؤسسي. هذه الركائز يجب أن تدعم بإجماع دولي وإقليمي لبناء دولة مستقرة وموحدة وترميم الثقة.

العدالة الانتقالية: شرط أساسي للمصالحة

المصالحة الوطنية لا يمكن أن تكون حقيقية دون العدالة الانتقالية. هذه العملية ضرورية لاستعادة الثقة وإنهاء الإفلات من العقاب الذي غذى العنف. تتطلب العدالة الانتقالية محاور لمعالجة آثار الصراع وضمان عدم تكرار الفظائع:

  1. توثيق الجرائم والمحاسبة:
  • لجان تقصي الحقائق المستقلة: يجب تأسيس لجان مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وجمع الشهادات وتحديد المسؤوليات.
  • المحاسبة القانونية العادلة: محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب خطوة حاسمة من خلال آليات قضائية وطنية أو دولية مستقلة، أو آلية مختلطة مصممة للسياق السوري.
  • تعويض الضحايا وإعادة التأهيل المجتمعي:
    • برامج جبر الضرر والتعويضات: تقديم تعويضات شاملة للضحايا وعائلاتهم، تشمل الاعتذارات الرسمية والدعم النفسي والاجتماعي.
    • إعادة التأهيل المجتمعي: التركيز على برامج تستهدف المناطق المتضررة، تشمل إعادة بناء البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية وتعزيز الروابط الاجتماعية.

    الحوار الوطني والإصلاح المؤسسي: بناء الحاضر

    الحوار الوطني الشامل هو الأداة الأكثر فعالية لتحقيق المصالحة. يجب أن يهدف إلى تجاوز الانقسامات وبناء توافق وطني وتحديد رؤية سورية موحدة للمستقبل، ويقترن بإصلاحات هيكلية للمؤسسات.

    1. الحوار الوطني الشامل:
    • مشاركة جميع الأطياف: يجب أن يضم الحوار جميع الأطراف الفاعلة مثل الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني والشباب والنساء ومختلف المكونات العرقية والدينية.
    • بلورة خارطة طريق سياسية: يجب على الأطراف السورية بلورة خارطة طريق واضحة وملزمة ترسخ آليات حكم شفافة وخاضعة للمساءلة وتكفل حقوق جميع المواطنين.
    • الدور المحوري للمجتمع المدني: يُعد المجتمع المدني شريكًا لا غنى عنه يجب تحفيز منظماته على المشاركة بالنشاط في جميع مراحل الحوار.
  • إصلاح المؤسسات لضمان عدم النكوص:
    • إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقضائية: إعادة هيكلة شاملة لضمان حيادها المهني واقتلاع الفساد ومنع تكرار الانتهاكات.
    • نظام سياسي ديمقراطي وموحد: إرساء نظام سياسي جديد يضمن المساواة الكاملة بين جميع السوريين ويحقق تمثيلًا عادلًا.

    الدعم الدولي والإقليمي والمصالحات المحلية: جسور الثقة

    لا يمكن لجهود المصالحة الوطنية أن تنجح بمعزل عن الدعم الدولي والإقليمي والمصالحات على المستوى القاعدي.

    1. الدعم الدولي والإقليمي:
    • تنسيق الجهود وبناء الإجماع: يجب أن يكون هناك تنسيق فعال وموحد بين الدول العربية والمجتمع الدولي لدعم عملية المصالحة.
    • الدعم المالي المشروط لإعادة الإعمار: توفير دعم مالي كبير لإعادة الإعمار بشروط شفافة وفعالة مع التركيز على مكافحة الفساد.
    • تسهيل العودة الآمنة والكريمة: عودة اللاجئين والنازحين بأمان وكرامة هي جزء جوهري من عملية المصالحة.
  • المصالحات المحلية وبناء الثقة:
    • تشجيع ودعم المبادرات المحلية: تعزيز ودعم المصالحات على مستوى القرى والمناطق وتوفير قنوات تواصل فعالة.
    • دور القيادات المجتمعية والوجهاء: يلعب وجهاء العشائر والقيادات المجتمعية دورًا محوريًا في تيسير المصالحات.

    الربط بين المصالحة وإعادة الإعمار

    لضمان استمرارية المصالحة يجب ربطها بجهود إعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي.

    • توفير فرص التنمية الاقتصادية: توفير فرص العمل المستدامة وتحسين الظروف المعيشية وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية.
    • الشفافية ومكافحة الفساد: يجب أن تكون جهود إعادة الإعمار شفافة وخالية من الفساد.

    تحقيق المصالحة الوطنية في سوريا هو رحلة طويلة تتطلب إرادة سياسية ودعمًا دوليًا والتزامًا مجتمعيًا. من خلال التركيز على العدالة الانتقالية والحوار الشامل، يمكن لسوريا أن تبدأ في بناء مستقبل أكثر سلامًا واستقرارًا وازدهارًا.

    الهدف الأسمى هو طي صفحة الماضي وبناء دولة حديثة يسودها العدل والتسامح، مما يضمن أن يعيش جميع السوريين بكرامة وأمان.

    مشاركة المقال: