السبت, 11 أكتوبر 2025 10:58 PM

النميمة: هل هي مجرد عيب أم ذكاء اجتماعي متطور؟

النميمة: هل هي مجرد عيب أم ذكاء اجتماعي متطور؟

قبل عصر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مثل «إكس» (تويتر سابقاً)، كانت النميمة بمثابة القناة غير الرسمية لنقل الأخبار. من الهمسات التي أدت إلى محاكمات الساحرات في سالم، وصولاً إلى القصص التي شكلت الأساطير، لطالما كانت النميمة جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، فهي مزيج من الفضول والخطر، وتعمل كـ "صمغ اجتماعي" وسمّ في آن واحد.

لكن النميمة لم تكن دائماً ذات طبيعة سلبية. فقد لعبت دوراً في التواصل والمقاومة، حيث استخدمها الناس لتبادل المعلومات، وتوحيد المجتمعات، ودعم قضايا العدالة الاجتماعية. ووفقاً لتقرير شامل نشرته مجلة «تايم» (TIME)، تعتبر النميمة قدرة ذهنية متطورة تمكن العقول من التعامل مع شبكات العلاقات المعقدة وإدارة المخاطر الاجتماعية بذكاء.

لماذا ننخرط في النميمة؟ تشير الدراسات في علم النفس الاجتماعي إلى أن أكثر من 65% من محادثاتنا اليومية تتمحور حول أشخاص آخرين. نستخدم القصص المتعلقة بالآخرين لتعزيز الروابط الاجتماعية، وكسر الحواجز، وتمضية الوقت.

ربما يفسر هذا الاهتمام الجماهيري بصفحات المشاهير، أو سبب تعلق جيل كامل بمسلسل Gossip Girl الذي حول النميمة إلى نمط حياة.

لكن السؤال الأهم هو: كيف نتمكن من نشر معلومات حساسة، غالباً عن أشخاص نعرفهم، دون أن تصل إليهم؟

أكثر من 65% من محادثاتنا اليومية تدور حول أشخاص آخرين. كيف يحسب العقل البشري مخاطر النميمة؟ في دراسة حديثة نشرت في مجلة Nature Human Behaviour، سعى باحثون من جامعة «براون» إلى فهم الذكاء الاجتماعي الكامن وراء النميمة. أظهرت التجارب أن المشاركين قاموا ببناء خريطة ذهنية للعلاقات الاجتماعية المحيطة بهم، تحدد من هو الأقرب ومن هو الأكثر تأثيراً، ثم استخدموا هذه الخريطة لتقدير المخاطر المحتملة.

عندما طُلب منهم مشاركة معلومة دون أن تصل إلى الشخص المعني، اعتمدوا على عاملين أساسيين:

  • مدى قرب الشخص المستهدف من الطرف الآخر في المحادثة.
  • مدى شعبية الشخص الذي يتحدثون معه.

تجنبوا النميمة مع الأشخاص المقربين من الهدف، خاصة إذا كانوا يتمتعون بشعبية، وفضلوا مشاركتها مع الأشخاص الذين يتمتعون بشعبية ولكنهم بعيدون اجتماعياً عن الهدف. بعبارة أخرى، يحسب العقل البشري "المسافة الاجتماعية" تلقائياً قبل التحدث.

النميمة كنظام اجتماعي معقد: حتى في البيئات الكبيرة مثل الجامعات، حيث تتشابك العلاقات بين مئات الأشخاص، أظهر الطلاب قدرة ملحوظة على تقدير احتمالية انتشار المعلومات بناءً على فهمهم للشهرة والقرب الاجتماعي.

يرى العلماء أن هذا الذكاء الحدسي ليس صدفة، بل هو مهارة تطورت عبر التاريخ لضمان البقاء في مجتمعات معقدة. فعندما تستخدم النميمة بوعي، فإنها تساعدنا على:

  • فهم من نثق به ومن نتجنبه.
  • حماية السمعة الشخصية.
  • قراءة ديناميات النفوذ الاجتماعي.

في رواية «بيت المتعة» لإديث وارتون، كانت السمعة هي رأس المال، والنميمة هي السلاح الصامت الذي يصنع أو يهدم مصير الأبطال. تذكرنا القصة بأن من لا يتقن فن البقاء متقدماً على النميمة، قد يقع ضحيتها.

وهنا تكمن المفارقة التي تبرزها مجلة «تايم»: النميمة ليست انحرافاً أخلاقياً، بل مهارة اجتماعية راقية تساعدنا على إدارة العلاقات وتوقع المخاطر وتنظيم تدفق المعلومات.

النميمة الذكية… فطنة لا عيب: على الرغم من سمعتها السيئة، تظل النميمة أداة ذهنية واجتماعية متطورة تساعدنا على قراءة الناس، وموازنة المخاطر، وبناء الثقة. فهي ليست ضعفاً في الأخلاق، بل ذكاء بشري فطري يعمل كآلية للبقاء في عالم مليء بالأسرار والتفاعلات.

باختصار، النميمة الذكية ليست عيباً… بل نوع من الفطنة الاجتماعية.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: