مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للتحرير من نظام بشار الأسد البائد في الثامن من كانون الأول، يبرز نجاح الدبلوماسية السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بدعم من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في رفع أغلب العقوبات الدولية المفروضة على البلاد منذ نحو خمسة عقود، مع استمرار الجهود لرفعها بشكل كامل.
منذ تولي السلطات الجديدة الحكم بعد الثامن من كانون الأول، وضعت رفع العقوبات على رأس أولوياتها، مؤكدةً أنه لم يعد هناك مبرر لبقائها بعد إسقاط نظام الأسد، حيث كانت مفروضة عليه وعلى نظام والده حافظ الأسد، في حين أن الشعب السوري هو من تحمل آثارها، وليس نظام حكم الأسدين والمقربين منهما، الذين امتلكوا مصادر مالية ضخمة من سرقة النفط السوري وتجارة المخدرات وجباية الأموال واكتنازها.
بدأت رحلة السلطات السورية الجديدة لرفع العقوبات، خاصة الأمريكية منها، بالظهور في أيار الماضي، عندما زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرياض، وأعلن منها أنه سيأمر برفع كامل العقوبات عن سوريا، ثم التقى في اليوم التالي بالرئيس الشرع، برعاية وحضور الأمير محمد بن سلمان، في أول لقاء من نوعه يجمع رئيس سوري مع رئيس أمريكي منذ عقود، وهو ما اعتبره مراقبون انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لسوريا الجديدة.
ويرى المراقبون أن تطبيع العلاقات السورية-الأمريكية وإعلان الرئيس ترامب رفع جميع العقوبات عن سوريا جاء نتيجة للدور السعودي بقيادة الأمير محمد بن سلمان، الذي برز كلاعب رئيس في الملف السوري ونزع العقوبات الدولية عن دمشق، مشيرين إلى نجاح هذا الدور في أقل من ستة أشهر بإزاحة العقوبات عن كاهل سوريا الجديدة وفق رؤية ترتبط بالحالة الإنسانية التي تعيشها البلاد، وتمهيداً لإعادتها لدورها الإقليمي بعد سنوات طويلة من العزلة وهيمنة إيران على البلاد.
وتشير التقارير إلى أن تاريخ العقوبات الأمريكية والأوروبية على سوريا بدأ منذ عام 1979، بتهمة دولة راعية للإرهاب، وكان أشدها قبل حرب نظام حكم بشار الأسد البائد التي بدأت عام 2011، هي العقوبات الأمريكية عام 2003، على خلفية دعم تمرير الإرهابيين للقتال في العراق، ثم عام 2004 حول قضايا الوجود السوري في لبنان وشرعيته، الذي كان مستمراً منذ عام 1976. وبعد عام 2011، أخذت العقوبات منحى تصاعدياً قاسياً وصارماً من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وجامعة الدول العربية ودول كثيرة أخرى، وكان أكثرها قسوة “قانون قيصر” عام 2020، ومكافحة “الكبتاغون” عام 2023، ومحاربة التطبيع عام 2024، ليبلغ مجموع العقوبات الدولية على سوريا نحو 2500 عقوبة تشمل معظم مناحي الحياة اليومية.
تعد نسبة تلك العقوبات من أعلى معدلات العقوبات التي فرضت على دولة حول العالم في العصر الحديث، وبمجملها عاقبت التحويلات المالية والمساعدات التنموية أيضاً، فصارت سوريا من أكثر دول العالم التي ترزح تحت حصار اقتصادي خانق. العقوبات الأمريكية التي صدرت ضد سوريا منها ما صدر على صورة أوامر تنفيذية من رؤساء أمريكا ويحق لهم إلغاؤها مباشرة، وعقوبات صدرت عن الكونغرس بمراسيم تشريعية وقد تستغرق إزالتها وقتاً طويلاً للغاية وتشريعات جديدة، كما هو الحال بالنسبة لـ”قانون قيصر”.
أصدر الرئيس ترامب تباعاً أوامر بإلغاء العقوبات الصادرة بأوامر تنفيذية ضد سوريا، بينما تتالت قرارات مشابهة من دول غربية عدة، وهو ما يسجل نجاحاً لدبلوماسية سوريا الجديدة المدعومة عربياً وخصوصاً من المملكة العربية السعودية. وفي أيلول الماضي، حطت رحلة الدبلوماسية السورية لرفع العقوبات في نيويورك خلال مشاركة الرئيس الشرع في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث دعا في كلمته إلى رفع العقوبات المفروضة على بلاده بشكل كامل، حتى لا تكون أداة لتكبيل الشعب السوري ومصادرة حريته من جديد.
استمرت نجاحات الدبلوماسية السورية في مسألة رفع العقوبات، عندما وافق مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي على إلغاء “قانون قصير”، بينما استمرت دمشق في مساعيها لموافقة مجلس النواب على الأمر. وشكلت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الشرع إلى واشنطن ولقاؤه في البيت الأبيض مع الرئيس ترامب أواخر الشهر الماضي، نقطة تحول مفصلية في المسار السياسي الأمريكي تجاه دمشق. وقد عقد الرئيس الشرع اجتماعاً مطولاً مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي براين ماست تناول خلاله العقوبات المفروضة على دمشق وسبل إلغائها.
وبحسب تقارير إعلامية محلية ومجموعات الضغط السورية الناشطة في أمريكا لرفع العقوبات، قال ماست: إن الوقت حان لإعادة النظر في مقاربة واشنطن تجاه الملف السوري، وأبدى تفهماً لموقف دمشق إزاء تداعيات العقوبات على حياة المدنيين. ووفق مجموعات الضغط السورية الناشطة في أمريكا لرفع العقوبات، فإن مجلس النواب الأمريكي يتجه إلى الموافقة على إلغاء “قانون قصير”، ليرفع بعد ذلك مشروع القانون إلى الرئيس الأمريكي للتوقيع عليه. وبذلك تكون الدبلوماسية السورية الجديدة حققت إنجازاً تاريخياً، بإزالة واحدة من أكبر وأصعب التحديات التي تواجه سوريا الجديدة والسوريين.