الإثنين, 10 نوفمبر 2025 10:49 PM

تايمز البريطانية: إفلات قتلة مجزرة الساحل السوري من العقاب يثير مخاوف الضحايا

تايمز البريطانية: إفلات قتلة مجزرة الساحل السوري من العقاب يثير مخاوف الضحايا

بعد الدعوات التي أطلقتها الميليشيات لـ "سحق فلول نظام الأسد"، تحولت المجازر إلى مادة للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تخشى عائلات الضحايا من عدم تحقيق العدالة. شهدت الأرامل أزواجهن يُجبرون على النباح كالكلاب قبل قتلهم، وهو مشهد شاهده مئات الآلاف من السوريين، الذين رأوا أيضاً وجوه القتلة الذين بثوا مشاهد الموت على وسائل التواصل الاجتماعي.

هديل رأت زوجها قيس (50 عاماً) وابنها أحمد (30 عاماً) للمرة الأخيرة على شاشة هاتفها، وهما راكعان على جانب طريق مع أسيرين آخرين (شقيق زوجها وجارهما)، بينما يركلهم مسلحون ويضربونهم بالأحزمة. "عوي"، صرخ مقاتل سني بسخرية، مضيفاً وسط الضربات: "لا أسمع نباحكم". بعض المهاجمين كانوا يصورون الاعتداء بهواتفهم المحمولة، حريصين على التوثيق حتى أثناء الركل واللكم. أحد المقاتلين ذوي الشعر الأحمر توقف عن ضرب الأسرى العلويين، ليأخذ حزاماً من رجل آخر ويجلدهم به. وجهه، كوجوه معظم المهاجمين، كان مكشوفاً، وبدا المهاجمون فخورين بما يفعلون.

بعد دقائق، قُتل الأسرى الأربعة رمياً بالرصاص من مسافة قريبة. كانوا ضمن 67 رجلاً قتلوا في قرية الشير في 7 آذار، على يد ميليشيات موالية للحكومة السورية الجديدة، التي قتلت أكثر من 1400 علوي في حملة قتل استمرت ثلاثة أيام على طول الساحل.

بالنظر إلى وحشية القتل، كانت هديل تأمل أن يواجه القتلة العدالة، كونهم يسهل التعرف عليهم. خلال الأيام التالية، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع مشابهة نشرها قتلة آخرون بوجوه مكشوفة، وهم يسيئون معاملة الأسرى ويقتلونهم.

بعد مجازر الساحل، أصبحت عبارة "عوي عوي عوي" ميماً ساخراً متداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا، حيث عانت الأغلبية السنية من عقود من الاضطهاد تحت حكم الرئيسين السابقين بشار الأسد ووالده حافظ الأسد. ورغم معرفة هوية العديد من القتلة على نطاق واسع، ورغم فتح تحقيقات والوعود بمحاكمات علنية وعقوبات قريبة، لم تصدر أية إدانة واحدة في واحدة من أسوأ المجازر ضد أقلية سورية منذ الإطاحة ببشار الأسد.

قالت هديل: "ليس الأمر أننا لا نعرف أسماء المذنبين، الرجال الذين قتلوا زوجي وابني كانوا فخورين بما فعلوه إلى درجة أنهم نشروا المقطع بأنفسهم". ذكرت أربعة أسماء للمقاتلين الذين ظهروا بوضوح في الاعتداء على زوجها وابنها، ويظهر اثنان منهم في مقاطع تعذيب أخرى صورت في مواقع مجازر أخرى. قالت هديل: "مع ذلك، لم يحدث شيء منذ ذلك اليوم، فقدت الأمل، لا أتوقع أن الحكومة التي قتلوا باسمها ستحاكمهم".

كانت المجازر على الساحل السوري أول هجوم كبير على أقلية سورية منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي وصعود حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع. تركز العنف في 40 منطقة علوية في محافظة اللاذقية الساحلية، وبدأ بعد سلسلة هجمات شنها من يطلق عليهم وصف "فلول نظام الأسد" على قوات الحكومة الجديدة في المنطقة.

رداً على هجمات الموالين للنظام السابق، أطلقت ميليشيات موالية للحكومة دعوات للتعبئة العامة من أجل "سحق الفلول". وبحلول فجر 7 آذار، كان نحو 200 ألف مقاتل سني من مجموعات مختلفة، منها جهاز الأمن العام للحكومة وميليشيات متحالفة مثل فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة، قد تدفقوا على التجمعات العلوية الساحلية، وبدأت موجة مجازر طائفية استمرت ثلاثة أيام.

اقتحم المقاتلون المدن والقرى، وأطلقوا النار داخل المنازل وقتلوا العلويين. في بعض القرى استهدف الرجال فقط، وفي أخرى أُبيدت عائلات بأكملها. في قرية الشير، استيقظ السكان على أصوات إطلاق النار فيما كانت الميليشيات تجوب الشوارع. قتل بعض الرجال في الحال. قال فادي الشيخ (30 عاماً) إنه ركض من منزله ليختبئ، وعندما عاد بعد ساعات، وجد جثث والده وعمه وابن عمه ممددة على أرض غرفة الجلوس. قال: "جميعهم أُطلق عليهم الرصاص من مسافة قريبة".

قال محمد الشيخ (70 عاماً)، شيخ القرية الذي أشرف على جنازات القتلى في الشير، إن الضحايا جميعهم من الذكور، وأصغرهم يبلغ 14 عاماً وأكبرهم 76 عاماً، وأضاف: "لم يكن لنا أي علاقة بالهجمات على قوات الحكومة، قريتنا دفعت ثمن ما لم تفعله".

وصف الناجون دخول فصائل مختلفة إلى القرية، ولكل منها سلوك مختلف. قال الشيخ إن بعض الميليشيات جابت البيوت وسرقت ذهب النساء ونهبت السيارات والدراجات النارية وهي تنعت القرويين بالـ "الخنازير العلويين"، في حين أراد مقاتلون آخرون فقط الإذلال والقتل. قالت إيفا صلوح (40 عاماً): "جعلوا زوجي يزحف قبل أن يقتلوه، أحياناً ما يزال أحد القتلة يمر بسيارته في قريتنا وهو يصرخ علينا ويشتمنا، لماذا لم يعاقبوا؟". يظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي زوجها حسام الشيخ (48 عاماً) مع والد زوجها (73 عاماً) وشقيق زوجها، مجبرين من قبل المسلحين على الزحف على طريق في الشير قبل أن يطلق النار على رؤوسهم واحداً تلو الآخر.

شكلت السلطات لجنة تحقيق للتحري وتقديم الجناة للعدالة. أكد التحقيق أن غالبية القتلى البالغ عددهم 1400، معظمهم رجال تتراوح أعمارهم بين 20 و50 عاماً، وبينهم نساء وأطفال، كانوا من المدنيين العلويين الذين قتلوا في منازلهم أو بالقرب منها على طول الساحل بين 6 و10 آذار. قالت اللجنة إن العنف لم يكن منظماً، وأن القادة العسكريين في البلاد لم يصدروا أوامر مباشرة بتنفيذ الهجمات، وإن الدافع الأساسي كان الانتقام، مضيفة أنها حددت هوية 265 شخصاً مسؤولين عن الهجمات الأولية على قوات الحكومة، و298 مشتبهاً بمشاركتهم في قتل العلويين وتعذيبهم.

أعلن وزير العدل السوري، مظهر الويس، الأسبوع الماضي أن محاكمات المتورطين في مجازر الساحل ستجري في المستقبل القريب، وأنها ستكون علنية، وأضاف: "عندما يحين الوقت، ستكون مفتوحة للجميع ليتابعوا، حتى يرى الجميع أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب سواء لفلول النظام القديم أو لمن ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين".

رغم أن الحكومة زعمت أن العشرات اعتقلوا لمشاركتهم في المجازر، لم يعلن سوى عن عدد قليل من الأسماء، ولم توجه أية تهم حتى الآن. يبدو أن بعض المعتقلين أُفرج عنهم، وعادوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليتفاخروا بالمجازر. أحد المقاتلين السنة البارزين المتهمين بالمشاركة، أحمد العبد الله، المعروف الملقب بـ أبو الميش، قيل إنه اعتقل في أغسطس، لكنه ظهر بعد أيام في مقطع مصور على الإنترنت، حراً طليقاً، وهو يقول أثناء خروجه من بركة ماء: "كيف حال الفلول؟".

مع تأخر الإجراءات القانونية وغياب المساءلة، زادت هذه المنشورات من شكوك العلويين بأن الحكومة السنية لن تحاكم أبداً عناصر قواتها الحليفة المتورطة في مجازر الساحل. قال فادي الشيخ وهو يتجول في الغرفة التي قتل فيها والده في الشير: "لم نر أي عدالة بعد، ولا أي حكم حقيقي سوى حكم السلاح.. نخشى أننا نحكم اليوم على يد من يمكنهم القتل بلا مساءلة، وأن المحققين والقتلة قد يكونون رجالاً من الفصائل نفسها، لكن بملابس مختلفة".

* صحيفة تايمز البريطانية

مشاركة المقال: