الأربعاء, 17 سبتمبر 2025 05:29 PM

تحليل: دوافع أمريكية وراء السماح بالعدوان الإسرائيلي على قطر ودورها في المنطقة

تحليل: دوافع أمريكية وراء السماح بالعدوان الإسرائيلي على قطر ودورها في المنطقة

وليد شرارة: للمرة الأولى منذ عقود، يتحدث بعض المسؤولين العرب والمسلمين، ممن يعتبرون من "أصدقاء" الولايات المتحدة، عن "مشروع إسرائيلي للهيمنة على المنطقة العربية". وقد ظهر ذلك خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة، والتي خصصت لبحث سبل الرد على العدوان الإسرائيلي على قطر.

منذ بداية حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد غزة، وامتداد عدوانه نحو لبنان وسوريا واليمن وإيران، لم يتوقف قادته ومسؤولوه وكبار خبرائه عن التأكيد على أنهم بدأوا في تطبيق برنامجهم لتغيير الشرق الأوسط. وكان عاموس يدلين، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الصهيونية، الأكثر وضوحًا عندما اختار لمقاله المنشور في "فورين أفيرز" في بداية هذا العام عنوان "نظام شرق أوسطي إسرائيلي".

إلا أن النظام الرسمي العربي، بجميع أطرافه، اختار تجاهل المواقف الإسرائيلية المتكررة رغم صراحتها الفجة. ويعود ذلك، على الأغلب، إلى قناعة راسخة لدى هذه الأطراف بأن الولايات المتحدة ستتولى كبح جماح حكومة نتنياهو "المتطرفة" ومنعها من الإضرار بمصالح "أصدقاء" الأولى من العرب والمسلمين.

السؤال الذي يفترض أن يشغل بال هؤلاء هو: لماذا لم تفعل واشنطن ذلك؟ فحماية دول الخليج، المصنفة "منطقة مصالح أمريكية حيوية" منذ سبعينيات القرن الماضي في جميع التقارير والوثائق الأمريكية الرسمية، كانت من الثوابت المعلنة لاستراتيجية واشنطن التي حرصت جميع الإدارات المتعاقبة على التذكير بها. فما الذي تغير اليوم؟

لم تتورع الولايات المتحدة، كقوة إمبريالية، حتى في أوج هيمنتها، عن ممارسة أشكال متنوعة من الابتزاز والضغط بحق حلفائها لإلزامهم بأولويات استراتيجيتها العامة، الدولية والإقليمية. فبعد أحداث 11 أيلول، لجأت واشنطن إلى سياسة "الابتزاز الديموقراطي" بحق حلفائها من "المعتدلين العرب" لتفرض عليهم الانقياد الكامل خلف أجندتها في الإقليم، التي صاغها المحافظون الجدد، والهادفة إلى إسقاط الأنظمة المعادية وتصفية قوى المقاومة وتثبيت منظومة سيطرة أمريكية-إسرائيلية عليه.

حمّلت واشنطن مسؤولية نمو ظواهر كـ"القاعدة" إلى الطبيعة الاستبدادية للأنظمة الحليفة وللفساد المستشري في داخلها، وطُرح تغييرها كأحد الخيارات الممكنة من قبل مراكز دراسات وباحثين محسوبين على إدارة بوش الابن.

أحد الأمثلة على ذلك، محاضرة لوران مورافييك، الباحث الفرنسي في مؤسسة "راند" والمحافظ الجديد، في المؤسسة المذكورة، في الـ10 من تموز 2002، والتي دعا فيها إلى تقسيم السعودية إلى عدة دول، بسبب مشاركة مواطنين منها في عمليات نيويورك وواشنطن. وشنّت حملة شعواء آنذاك على السعودية وعلى مصر من قبل باحثين وخبراء ووسائل إعلام، اندرجت في إطار استراتيجية ابتزاز قادتها إدارة بوش الابن من خلف الستار، لحمل البلدين على الإذعان الكامل للأجندة الإقليمية الأمريكية، وهو ما تم إلى حد بعيد في تلك المدة.

هناك أمثلة كثيرة أخرى عن الابتزاز الأمريكي للحلفاء، كالذي تعرضت له فرنسا نتيجة معارضتها للحرب على العراق في 2003، عبر تلويح واشنطن بمعاقبة باريس اقتصادياً وتجارياً وسياسياً، ما حمل الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى المباشرة بتغيير توجهاته بالنسبة إلى الشرق الأوسط بعد بضعة أشهر.

الابتزاز الأمريكي كان يمارس عبر التهديد المبطن والتلويح والتلميح بالعواقب الوخيمة، ولكن ليس بالفجاجة والجموح اللذين يميزانه في ظل إدارة ترامب. فتراجع هيمنة واشنطن، والانتكاسات في مواجهاتها مع المنافسين الاستراتيجيين في موسكو وبكين، تحملانها على التعامل بفظاظة غير مسبوقة مع الحلفاء لدرجة قد تودي بمبدأ التحالف نفسه. وآخر الأمثلة على هذا الأمر هو الإنذار الموجه من ترامب لحلفائه الأوروبيين بضرورة زيادة رسومهم الجمركية على السلع الصينية بين 50 و100%، تحت طائل عدم فرضه لعقوبات جديدة على روسيا إن لم يستجيبوا لإملاءاته. ويرقى هذا الموقف، بالنسبة إلى الحلفاء الأوروبيين المذعورين من تحول موازين القوى في أوكرانيا لصالح روسيا، إلى تهديد واشنطن لهم بتركهم بمفردهم في مواجهتها.

عندما يسمح الرئيس الأمريكي الأخرق لإسرائيل بالاعتداء على قطر، فهو يهدف لتوجيه رسالتين لبلدان المنطقة الحليفة في الآن نفسه: أولاً، يحق لإسرائيل أن تفعل ما تشاء لضرب خصومها وما عليكم سوى التعاون معها إن أردتم "تجنب غضبها". وثانياً، دول المنطقة، وخاصة الخليج، إن أرادت استمرار الحماية الأمريكية، بما فيها من التطرف الإسرائيلي، عليها التسليم تماماً بالأجندة الاستراتيجية لواشنطن حيال بكين وموسكو، وفسخ شراكاتها الاقتصادية والتكنولوجية وحتى العسكرية معها، ووقف التطبيع مع إيران. وغياب رد فعل حازم من قبل دول المنطقة الصديقة لواشنطن سيعني تكرار الاعتداءات بأشكال وأساليب متعددة.

المدخل الصحيح لتحليل السياسة الأمريكية الراهنة في منطقتنا وفي مناطق أخرى من العالم هو إدراك واقع موازين القوى الفعلية بينها وبين منافسيها الدوليين. فالانتصار في مثل هذه المنافسة/المجابهة هو الأولوية الأولى لجميع الإدارات المتعاقبة منذ عهد أوباما الثاني، مروراً بعهدي ترامب الأول وبايدن، وصولاً إلى عهد ترامب الثاني. ويتطلب هذا الانتصار رص صفوف "الحلفاء" خلف الولايات المتحدة وإجبارهم على التضحية بجزء من مصالحهم المشتركة مع المنافسين الاستراتيجيين، كعلاقات الدول الأوروبية مع الصين، أو دول الخليج مع روسيا والصين، حتى تستمر الحماية والرعاية الأمريكية لهم.

سعي العديد من بلدان الجنوب، ومنها بلدان عربية وإسلامية، لاعتماد سياسات التحوط (Hedging)، أي تنويع الشراكات لعدم البقاء أسرى لعلاقة تبعية كاملة لقوة عظمى وحيدة، هو أمر لم تقبله واشنطن يوماً وكانت تتحين الفرص للتصدي له وإفشاله.

في مثل هذا السياق، وفي منطقتنا، تعود إسرائيل، باعتبارها الحليف العضوي الثابت والمضمون للولايات المتحدة التي تجمعه بها صلة رحم تقوم على التماهي الثقافي-الأيديولوجي الكامل بين النخب الحاكمة في الدولتين، إلى أداء وظيفتها كعصا غليظة أو كلب مسعور لتطويع جميع دول المنطقة، المعادية منها والصديقة. وهي ماضية في غيها طالما أنها لم تدفع الأكلاف البشرية والمادية التي تحملها على التراجع عنه.

المصدر: أخبار سوريا الوطن

مشاركة المقال: