الخميس, 26 يونيو 2025 02:58 PM

تحليل: هل عدم هزيمة إيران يعتبر انتصاراً؟ نظرة على تداعيات المواجهة الأمريكية الإسرائيلية

تحليل: هل عدم هزيمة إيران يعتبر انتصاراً؟ نظرة على تداعيات المواجهة الأمريكية الإسرائيلية

عبد الباري عطوان

لتحديد المنتصر والمهزوم في العدوان الأمريكي الإسرائيلي المشترك على إيران، والذي استمر 12 يومًا وانتهى باتفاق أمريكي سريع لوقف إطلاق النار، يكفي التدقيق في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، وملاحظة تعبيرات وجهيهما، بالإضافة إلى النظر إلى صور الدمار في المدن الفلسطينية المحتلة مثل تل أبيب وحيفا وأسدود وعسقلان وبئر السبع.

نتنياهو ألقى خطابًا لمدة عشر دقائق، تم تصويره على الأرجح على أبواب ملجأه تحت الأرض، زعم فيه تحقيق انتصار تاريخي على إيران، وأنها لن تحصل أبدًا على سلاح نووي، وأن برنامجها النووي قد تأخر لسنوات.

أما دونالد ترامب، فقال إن الضربة الأمريكية أنهت الحرب الإيرانية الإسرائيلية بتدمير كامل للمنشآت النووية الثلاث في فوردو ونطنز وأصفهان، كما فعلت في عام 1945 بقصف هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، وإنهاء الحرب العالمية الثانية.

امتقاع وجه الرجلين والإحباط الواضح عليهما ولغة جسديهما تدل على عكس ذلك تمامًا. المنتصر يقيم الاحتفالات وتصله برقيات التهنئة من كل مكان، ولكن لم نر أيًا من ذلك. الارتباك والمكابرة الكاذبة تقولان عكس ذلك، وتقديم 50 ألف مستوطن إسرائيلي طلبات تعويض بسبب تضررهم ومنازلهم من الحرب هو دليل. لم نسمع أن نتنياهو تلقى برقية تهنئة واحدة بهذا النصر التاريخي حتى من الإسرائيليين أنفسهم، فضلًا عن داعميه في العالم الغربي والمؤسسات اليهودية.

عن أي انتصار تاريخي يتحدث نتنياهو وهو الذي لم يفرض الاستسلام على إيران، ولم يغير نظام الحكم فيها، ولم يقتل السيد علي خامنئي المرشد الأعلى، ولم يمنع وصول صواريخ فرط صوت الإيرانية المتعددة الرؤوس الانشطارية إلى تل أبيب وحيفا، وتوفير الحماية لأكثر من سبعة ملايين مستوطن انعزلوا عن العالم لإغلاق مطار اللد (بن غوريون) وعاشوا 12 يومًا في الملاجئ وأنفاق القطارات.

ضربات ترامب على المنشآت النووية الإيرانية كانت مسرحية بهلوانية لتوفير الذرائع لإنهاء الحرب، وإنقاذ إسرائيل من الهزيمة الكبرى، ووقف هروب الملايين من مستوطنيها إلى ملاذات آمنة في الخارج، وحماية قواعدها وجنودها من قصف الصواريخ الإيرانية وأذرعها الضاربة، والأهم من ذلك عدم إغلاق مضيق هرمز وتجنب أزمة طاقة عالمية تدمر العالم الغربي واقتصاده.

هذه هي الحرب الوحيدة التي لم تحسمها إسرائيل لصالحها ضد أي دولة عربية أو إسلامية في ست ساعات، ولا في عشرة أيام مثل الحروب السابقة (حرب أكتوبر 1973)، وبمجرد دخول الحرب يومها الثاني عشر، سارعت إلى أمريكا طالبة وقف إطلاق النار، وبأسرع وقت ممكن تقليصًا للخسائر بعد استخدام صواريخ خيبر وفتاح المباركة.

عندما يفقد الرئيس ترامب أعصابه بسبب تداول أجهزة إعلام بلاده وخاصة محطة الـ "سي ان ان" تقريرًا استخباراتيًا أمريكيًا سريًا يقول إن المنشآت النووية الإيرانية لم تعانِ إلا من خسائر ثانوية بسيطة، ويهاجم هذه الأجهزة بطريقة "سوقية"، فهذا يشرح كل شيء، ويكشف الأكاذيب التي روج ويروج لها حول النصر النهائي التاريخي في هذه الحرب.

طالما أن إيران ما زالت تملك 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق الستين في المئة، وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تصنعها وجرى تهريبها مبكرًا، وعشرات الخبراء النوويين، فإنها تستطيع الوصول إلى إنتاج أسلحة نووية في غضون أيام، ونحن نستند هنا إلى تصريحات مسؤولين أمريكيين أبرزهم انتوني بلينكن وزير الخارجية الصهيوني السابق، ولعل إلغاء البرلمان الإيراني كل اتفاقات التعاون مع وكالة الطاقة الذرية الأممية المتواطئة مع العدوان هو دليل قوة، وليس دليل ضعف أو استسلام، ويعكس نوايا قوية مستقبلية في تخصيب المزيد من اليورانيوم، وربما إنتاج أسلحة نووية بعيدًا عن عيون جواسيس هذه المنظمة.

من المؤكد أن إيران تكبدت خسائر مادية كبيرة بسبب هذه الحرب، فهي تواجه أمريكا الدولة الأعظم في التاريخ، ودولة الاحتلال الإسرائيلي المدعومة منها ومن حلف الناتو والتي انتصرت في جميع حروبها ضد العرب (باستثناء عملية طوفان الأقصى وصواريخ اليمن ومسيّراته، وصمود اهل القطاع الابطال ومقاومتهم أكثر من 620 يوما تقريبا)، ولهذا فإن عدم هزيمة إيران هو انتصار تاريخي مؤكد.

حربنا كعرب ومسلمين ضد إسرائيل المعتدية، حرب من عدة جولات، وما يميز الجولة الأخيرة الصواريخ الإسلامية المصنعة في إيران، وبعقول إيرانية وفشلت كل الدفاعات الجوية الإسرائيلية الامريكية الصنع في اعتراضها ومنعها من الوصول إلى ناطحات السحاب في تل أبيب وحيفا، ومعهد وايزمان والعديد من مقرات المخابرات والجيش، وهذا يؤشر إلى بداية قوية مثمرة ومختلفة، وأن الجولات المقبلة ستكون أكبر وأكثر تأثيرًا وحسمًا.. والأيام بيننا.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: