الثلاثاء, 28 أكتوبر 2025 12:27 AM

تراجع تقاليد المونة في ريف طرطوس بسبب غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية

تراجع تقاليد المونة في ريف طرطوس بسبب غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية

مع اقتراب فصل الشتاء، تشهد العديد من القرى في ريف طرطوس تراجعاً ملحوظاً في مظاهر "المونة"، التي كانت تمثل رمزاً للاكتفاء الذاتي والتكافل الاجتماعي على مدى سنوات طويلة. يعود هذا التراجع إلى محدودية قدرة العائلات على تخزين مؤونة الشتاء، نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

في ريف طرطوس، الذي اشتهر تقليدياً بإعداد المكدوس والمربيات والمخللات وغيرها من مواد المونة، أصبحت هذه العادة الموسمية حلماً بعيد المنال بالنسبة للكثير من الأسر.

يقول خالد الأسود، وهو من سكان ريف طرطوس، في حديث لمنصة إخبارية: "الناس شغلها الشاغل هو كيفية تأمين مصاريف الشتوية، من ناحية التدفئة أكثر من المونة، لأنها باتت من التحديات الصعبة والمكلفة جداً".

ويضيف الأسود أن تكلفة خمسين كيلوغراماً من "المكدوس" تُقدّر بنحو 300 ألف ليرة سورية، في حين يبلغ سعر الكيلو الواحد من البرغل حوالي 6000 ليرة. ويوضح قائلاً: "أقل بيت يحتاج إلى عشرين كيلو على الأقل، والناس اليوم لا تستطيع إلا أن تعمل صنفاً أو صنفين فقط، حسب قدرتها، بسبب ضيق الحال".

ويرى أن من أبرز العوامل التي قللت من إعداد المونة هذا العام، انقطاع التيار الكهربائي وعدم ثباته، إذ "لا يمكن تخزين أي مواد في البراد من دون كهرباء، لذلك خرجت البقوليات والخضار عملياً من موضوع المونة"، على حد قوله.

ويشير الأسود إلى أن الحياة في القرى الريفية ما تزال تتيح لبعض الأهالي تأمين جزء من حاجاتهم الغذائية، قائلاً: "في القرية ممكن الواحد يربي دجاج أو أبقار ويعيش نوعاً ما، أما في المدينة فلا يمكن ذلك إطلاقاً، لذلك نسبة الناس التي تقدر تمون كما تريد لا تتجاوز عشرين في المئة".

ويضيف أن "الوضع هذا العام أصعب من الأعوام السابقة حتى في الريف، لأن موسم الزيتون ضعيف، وسعر الكيلو من الزيتون المقبول وليس الممتاز يبلغ نحو 20 ألف ليرة سورية، ما يجعل الزيت، وهو أحد أساسيات المونة، خارج متناول معظم الناس".

ويختم الأسود بالقول: "هناك عائلات كثيرة لا تملك حتى ثمن الخبز اليومي، فكيف يمكنها التفكير بالمونة؟"، مضيفاً أن "المونة باتت حلماً عند كثير من الأسر التي بالكاد تؤمّن طعامها اليومي".

في ضوء ذلك، لم يعد اختفاء المونة من البيوت السورية مجرد مظهر اقتصادي فحسب، بل يعكس تراجع أحد الموروثات الاجتماعية المرتبطة بالريف السوري، والتي كانت تعبر عن روح التعاون والعائلة الممتدة، بينما تحوّل اليوم إعداد المونة إلى رفاهية لا يستطيعها سوى القادرين مادياً.

مشاركة المقال: