في تطور لافت ضمن الأزمة الأوكرانية، صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من لهجته تجاه روسيا، ملوحاً بفرض عقوبات قاسية لا تقتصر عليها وحدها، بل تطال أيضاً الدول المستوردة للنفط والغاز والموارد الطبيعية منها، في خطوة يرى البعض أنها قد تعيد تشكيل خريطة العلاقات الاقتصادية العالمية.
جاء تهديد ترامب خلال تصريحات نارية أعلن فيها عن عزم واشنطن تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية متطورة، بما في ذلك بطاريات باتريوت، بتمويل مباشر من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأشار إلى أن الناتو وافق خلال قمته الأخيرة في حزيران/ يونيو على تغطية التكلفة الكاملة للأسلحة التي سترسل إلى كييف. كما منح موسكو مهلة 50 يوماً للتوصل إلى اتفاق سلام، مهدداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السلع الروسية، بالإضافة إلى رسوم إضافية على الدول التي تواصل شراء الطاقة الروسية في حال فشل المفاوضات.
أثارت تصريحات ترامب ردود فعل متباينة، حيث وصفتها الكرملين بأنها "بالغة الخطورة"، بينما اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تسليح أوكرانيا هو "لعب بالنار"، مؤكداً أن أي شحنة أسلحة غربية ستعتبر هدفاً مشروعاً للقوات الروسية.
من المتوقع أن تكون الصين (أكبر مستورد للنفط الخام في العالم) والهند (ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم) من بين الدول الأكثر تضرراً من قرار ترامب. وفي رد على سؤال حول تهديد ترامب، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحافي: "لطالما آمنت الصين بأن الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الأوكرانية. لا يوجد رابحون في حرب الرسوم الجمركية، والإكراه والضغط لا يحلان المشكلة".
شهدت واردات الصين من النفط الخام الروسي، الذي يعتبر أكبر مورديها، ارتفاعاً بنسبة 1% في عام 2024 مقارنة بعام 2023، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 108.5 ملايين طن، أي ما يعادل 2.17 مليون برميل يومياً، وفقاً للإدارة العامة للجمارك الصينية.
وبحسب تقديرات "رويترز"، فإن الزيادة في الإمدادات البحرية من روسيا تعود إلى الطلب القوي من المصافي المستقلة وشركات النفط الحكومية الكبرى في الصين، بالإضافة إلى تفويض حكومي بتخزين كميات إضافية من النفط.
في المقابل، أظهرت البيانات أن الهند استقبلت حوالي 1.75 مليون برميل يومياً من النفط الروسي في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى حزيران من هذا العام، بزيادة قدرها واحد في المئة عن العام الماضي.
وازدادت مشتريات الهند من النفط الروسي الذي يباع بأسعار مخفضة بعد فرض دول غربية عقوبات وتوقفها عن شراء النفط من موسكو، عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا في عام 2022.
وفي تحليل للتهديدات الأميركية، يرى الباحث في معهد دراسات السلام والصراعات، فلاديمير جورافليوف، أن مهلة ترامب وتصريحاته لا تتعدى كونها محاولة دعائية، واصفاً إياها بـ "جنون المبالغة". وأكد في تصريح لـ "الجزيرة نت" أن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بتنفيذ تهديدات واسعة النطاق، خاصة إذا كانت تستهدف شركاء كباراً لروسيا مثل الهند والصين وتركيا.
وأوضح الخبير العسكري أناتولي ميخائيلوف أن ترامب يحاول أن يظهر كلاعب مؤثر في الأزمة الأوكرانية دون الانخراط المباشر، معتمداً على تقديرات في واشنطن تشير إلى أن روسيا ستحسم المعركة لصالحها في النهاية. ويرى ميخائيلوف أن رفع المساعدات العسكرية لن يغير بشكل جذري في ميزان القوى، وأن روسيا مستعدة لتحمل تبعات العقوبات.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور محمد موسى، الباحث السياسي والاقتصادي لـ "النهار"، أن العقوبات الأميركية، حتى لو فرضت، لن تكون ضربة قاصمة لروسيا. وأوضح أن هذه ليست الجولة الأولى من العقوبات الغربية، ولن تكون الأخيرة، مضيفاً: "نعم، تأثر الاقتصاد الروسي، لكن ليس بالقدر الذي كانت تأمله واشنطن أو حلفاؤها. الدول الكبرى مثل الصين والهند وحتى تركيا لن ترضخ للضغوط الأميركية، لأنها تعتمد على الطاقة الروسية اعتماداً حيوياً".
وأشار موسى إلى أن هناك دولاً أوروبية، على الرغم من انتمائها إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، لديها مصالح عميقة مع روسيا، وعلى رأسها المجر وسلوفاكيا. وقال: "أي توقف مفاجئ لواردات الطاقة الروسية قد ينهك موازنات تلك الدول، التي تحتاج أصلاً لدعم أوروبي واسع لتغطية فاتورة الطاقة".
وخلص موسى إلى أن "تهديد ترامب لا يتعدى كونه زوبعة في فنجان"، موضحاً أن العلاقات الأميركية الروسية تمر بمرحلة من الشد والجذب، ولكن لا يمكن قطعها بالكامل. فهناك ملفات دولية كبرى – مثل اتفاقيات ستارت، والأمن الفضائي، والتوازن النووي – تجعل من استمرار التواصل بين واشنطن وموسكو ضرورة عالمية.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو التهديدات الأميركية وكأنها محاولة للضغط على الحلفاء قبل الخصوم، واستخدام روسيا ورقة تفاوضية داخلية وخارجية، مع اقتراب الانتخابات الأميركية. ولكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تتحمل واشنطن وحلفاؤها عواقب قرارات كهذه إذا تحولت من التصريحات إلى الأفعال؟