الأحد, 9 نوفمبر 2025 10:04 PM

تفعيل التحويلات المالية المباشرة بين بنك سوري وسعودي: خطوة نحو تعزيز الاستثمار والتجارة

تفعيل التحويلات المالية المباشرة بين بنك سوري وسعودي: خطوة نحو تعزيز الاستثمار والتجارة

عنب بلدي – محمد كاخي – في خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية، شارك بنك "بيمو السعودي- الفرنسي" في مؤتمر الاستثمار السوري- السعودي، الذي دعت إليه وزارة الاستثمار السعودية. وقد أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في 28 تشرين الأول الماضي، خلال كلمته في الطاولة المستديرة السعودية- السورية، عن تنفيذ أول عملية تحويل مالي مباشرة وآمنة بين "البنك السعودي- الفرنسي" في الرياض وبنك "بيمو السعودي- الفرنسي" في دمشق.

أندريه لحود، المدير التنفيذي لبنك "بيمو السعودي- الفرنسي" في سوريا، صرح بأن البنك يطمح إلى توسيع التعاون ليشمل التدريب المهني للشباب السوري وتطوير البنية التكنولوجية في القطاع المصرفي. ويهدف ذلك إلى تمكين المستثمرين من إجراء تعاملات مالية مباشرة بين البلدين.

التحويلات المباشرة.. فتح بوابة التمويل بين البلدين

أكد لحود أن تفعيل التحويلات المالية المباشرة بين البنكين يعزز الثقة ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمار، مما يعود بالنفع على المؤسستين والاقتصادين السعودي والسوري. وأضاف أن هذه الخطوة تهدف إلى استيعاب حجم المستثمرين الكبير الراغبين في دخول السوق السورية، مع الحاجة إلى قناة مصرفية لإجراء العمليات المصرفية بين البلدين.

أفاد بنك "بيمو السعودي- الفرنسي" في سوريا لعنب بلدي بأن خدمة التحويلات الخارجية (إرسال واستقبال) متاحة عبر نظام "السويفت" باليورو، بموافقة البنك الخارجي (المرسل أو المستقبل) أو بالريال السعودي، وأنه لا يوجد حد معين للحوالة المالية.

يرى بنجامين فيف، الباحث الاقتصادي والمحلل الأول في مركز "كرم شعار للاستشارات"، أن الأثر المباشر لإعادة تفعيل التحويلات المالية بين البنكين يتمثل في توفير قنوات مالية مباشرة لتحويل الأموال بين السعودية وسوريا، وهو أمر بالغ الأهمية لتمويل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والعقود الموقعة مؤخرًا بين الجهات أو الشركات السعودية لمشاريع في سوريا.

وأوضح فيف أنه على سبيل المثال، إذا أراد مستثمر إنشاء مصنع كبير في سوريا بتكلفة عدة ملايين من الدولارات، فإن عدم القدرة على تحويل الأموال من السعودية أو قطر أو فرنسا إلى سوريا يعيق تنفيذ المشروع. وأشار إلى أن إطلاق القنوات المالية المباشرة بين السعودية وسوريا يعالج هذه المشكلة جزئيًا.

كما ستتيح هذه الخطوة للبنوك التي لديها علاقات مراسلة مصرفية مع "البنك السعودي- الفرنسي" في السعودية أن تقدم لعملائها إمكانية تحويل الأموال إلى سوريا أيضًا، فإذا كان هناك بنك آخر في السعودية أو بنك في قطر تربطه علاقات بـ"البنك السعودي- الفرنسي" في السعودية، فسيتمكن المستثمر في قطر من إرسال أمواله إلى سوريا عبر السعودية، وهذا هو جوهر عمل البنوك فيما بينها، بحسب فيف.

الدكتور عبد الحكيم المصري، الخبير في الاقتصاد ووزير المالية السابق في "الحكومة السورية المؤقتة"، صرح لعنب بلدي بأن هذا التعاون سيسهل تحويل الأموال بين البلدين دون أي إشكالات، ويساعد على تنشيط التجارة البينية بين سوريا والسعودية، وتكمن أهمية هذه العملية في أنها تطمئن المستثمرين من الجانب السعودي للتعامل مع الجانب السوري.

ونوه بنجامين فيف إلى أنه يبقى أن نرى ما إذا كانت الخطة ستُطبق بالكامل أم لا، فمثلًا، في الآونة الأخيرة حدثت عملية تحويل عبر نظام "سويفت" بين بنك إيطالي وآخر سوري، إلا أنها لم تتجاوز العملية الأولى التجريبية، وكانت قيمتها محدودة جدًا.

العقوبات تعوق تقدم القنوات المالية

لا تزال العقوبات المفروضة على سوريا تشكل عائقًا أمام تعافي وانطلاق القطاع المصرفي في سوريا بحسب ما أشار إليه الخبراء، فلا يزال قانون "قيصر" يحدّ من حركة الفاعلين في القطاع المصرفي والاستثمار، ولا تزال مخاوف الامتثال تؤخر بدء التحويل المالي بين البنوك الدولية والبنوك السورية.

أوضح بنجامين فيف لعنب بلدي أن هناك عدة عقبات قد تعوق توسيع هذه القنوات المصرفية الجديدة بين سوريا والسعودية، حتى مع استمرار الجهود نحو التطبيع بين الجانبين. وأشار إلى أن أولى هذه العقبات وأهمها هي المخاطر التنظيمية ومخاطر الامتثال، فعلى الرغم من الانفتاح السياسي الأخير نحو سوريا، فإنها لا تزال تُصنَّف كمنطقة عالية المخاطر وفقًا للمعايير المصرفية الدولية، ولا تزال معظم البنوك المراسلة العالمية تتجنب التعامل مع المصارف السورية بسبب العقوبات الأمريكية، ومخاوف تتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML وCTF)، إضافة إلى عدم توافق النظام المصرفي السوري مع توصيات مجموعة العمل المالي (FATF).

وأضاف فيف أن سوريا مدرجة على القائمة الرمادية لـ"FATF"، ما يعني أنه حتى لو حصلت البنوك السعودية على التراخيص اللازمة للعمل في سوريا، فإن قدرتها على تسوية المعاملات الدولية عبر الأنظمة المالية العالمية الكبرى ستكون محدودة أو مقيدة، وحتى في حال لم تُقيَّد رسميًا، فإن بعض المعاملات قد تُعتبر ذات مخاطر مرتفعة.

عقبات تنظيمية

أشار حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، في 21 أيلول الماضي، إلى أن القطاع المصرفي السوري يحتاج إلى تحديث البنية التحتية والحوكمة، وأنه يجري العمل على رفع متطلبات الحوكمة والشفافية، ودعم رقمنة الخدمات المصرفية لتوسيع الشمول المالي.

وفي حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أوضح الحصرية أن هناك خطة لتحديث الأُطر الرقابية والتشريعية بما يتماشى مع الممارسات المصرفية الدولية وإدخال متطلبات تقنية حديثة، وأن من بين الأولويات تطوير البنية التحتية لأنظمة الدفع الإلكتروني، وتشجيع حلول الدفع عبر الهاتف المحمول.

أكد الباحث الاقتصادي بنجامين فيف أن مشكلة الجاهزية التقنية والمؤسسية في الجانب السوري قد تسبب صعوبات عملية، وأنه بالرغم من أن مصرف سوريا المركزي يعمل حاليًا على تطوير بنيته التحتية المالية وأنظمة الدفع الرقمية، فإن دمج هذه الأنظمة مع المعايير الدولية الحديثة، مثل الاتصال بنظام "سويفت"، وأنظمة فحص الامتثال، والأمن السيبراني، سيستغرق وقتًا، وأن أي تأخير في هذه الإصلاحات قد يبطئ أو يحد من التعاون المصرفي المباشر.

كما يعتقد فيف أنه قبل أن نرى تحويلات بعشرات أو مئات ملايين الدولارات إلى سوريا، ستحتاج البنوك السورية إلى تحديث أنظمتها بالكامل، لأنها في وضعها الحالي غير مهيأة للتعامل مع مثل هذه المبالغ الضخمة.

أوضح الدكتور عبد الحكيم المصري لعنب بلدي أن سوريا تواجه عقبات تنظيمية وتقنية معقدة يمكن حلّها في حال رفع عقوبات قانون "قيصر"، إلا أن بعض العقبات تحتاج إلى تدخل مباشر من الدولة السورية. وأشار إلى أن هناك كيانات وأفراد معاقَبون يمتلكون نسبًا متفاوتة من الأسهم، قد تصل إلى 5 أو 10%، ما يمنحهم قدرة على التأثير في قرارات المستثمرين والإدارة، لذا على الدولة ضرورة اتخاذ إجراءات واضحة لضمان عدم استمرار نفوذ هؤلاء الأشخاص، سواء من خلال تجميد حصصهم وأموالهم، أو بيعها لمستثمرين آخرين، أو استبعادهم من مجالس الإدارة، إضافة إلى حرمانهم من حقوق التصويت في حال إجراء انتخابات إدارية أو مالية داخل الشركات، بحسب المصري.

نحو اندماج مالي أوسع

يرى الخبراء أنه بالرغم من أن العلاقات الثنائية بين سوريا والسعودية، وكذلك بين سوريا وبقية دول العالم، شهدت تحسنًا ملحوظًا، فإن البيئة الدولية الأوسع، بما في ذلك موقف الجهات التنظيمية الغربية، وخصوصًا الأمريكية، قد تُثني بعض البنوك السعودية أو بنوك الدول الثالثة عن الانخراط العميق في عمليات التحويل المصرفية، إلى أن تتوفر آلية حماية قانونية أو تطمينات سياسية واضحة.

وينصح الباحث الاقتصادي بنجامين فيف، للحفاظ على استدامة القنوات المصرفية الجديدة بين البلدين، الاعتماد على عدة عوامل، أهمها:

  • إجراء إصلاحات تنظيمية موثوقة من قبل مصرف سوريا المركزي.
  • تطبيق أطر امتثال فعالة من قبل البنوك الشريكة والبنوك الخاصة السورية.
  • استمرار التنسيق السياسي لتجنب أي تعرض محتمل للعقوبات المتبقية.
  • الحصول على تطمينات وضمانات سياسية واضحة من الجهات التنظيمية الأمريكية على وجه الخصوص.
مشاركة المقال: