أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أن أحداث الساحل التي وقعت في آذار الماضي شهدت أعمال عنف واسعة النطاق وانتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب، ودعت الحكومة السورية إلى مواصلة السعي لمحاسبة جميع الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم.
وأعربت اللجنة عن امتنانها للحكومة لإتاحة الوصول غير المقيد إلى المناطق المتضررة في اللاذقية وطرطوس في شهر حزيران الماضي، بما في ذلك الوصول إلى مجموعة من المسؤولين، إضافة إلى ثلاثة مواقع لمقابر جماعية.
وأوضحت اللجنة في تقريرها حول أحداث الساحل، الذي نشرته على موقعها الإلكتروني، أنها استندت في تحقيقاتها المكثفة إلى أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود، وتوصلت إلى أن العنف الذي شهده الساحل في آذار شمل القتل والتعذيب، ونهباً واسع النطاق وحرقاً للمنازل، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين. وأشارت إلى أن هذه الأعمال التي شملت انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب ارتكبت على يد مقاتلين موالين للنظام السابق أو ما يُسمى بـ"فلول النظام"، إضافة إلى "أعمال ارتُكبت على يد أفراد تابعين للقوات الحكومية أو يعملون إلى جانبها".
وبينت اللجنة أن "قوات الحكومة سعت في بعض الحالات إلى وقف الانتهاكات وإجلاء المدنيين وحمايتهم، ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، أقدم أفراد من فصائل مُعيّنة، أُدمجت مؤخراً في قوات الأمن على إعدام مدنيين خارج نطاق القضاء وتعذيبهم".
ولفتت اللجنة إلى أن الحكومة السورية ملتزمة بتحديد هوية المسؤولين عن أحداث آذار وضمان محاسبتهم، مبينةً أنه في الـ 22 من تموز أصدرت لجنة التحقيق الوطنية السورية في أحداث الساحل تقريراً يفيد بأنها حددت مبدئياً 298 من المشتبه بهم من الفصائل العسكرية، و265 مرتبطين بجماعات مسلحة مرتبطة بالحكومة السابقة، وأحالت أسماءهم إلى النائب العام.
ودعا باولو سيرجيو بينيرو رئيس اللجنة الدولية الحكومة السورية إلى مواصلة السعي لمحاسبة جميع الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم، مشيراً إلى أنه تم إلقاء القبض على العشرات من مرتكبي الانتهاكات، وأنه يجب توسيع نطاق هذه الجهود.
من جهته، قال المفوض هاني مجلي: "يُعدّ التقرير الموجز والإحاطة العامة اللذان أصدرتهما لجنة التحقيق الوطنية السورية بشأن أحداث العنف في الساحل في آذار، خطوتين مهمتين في عملية كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لجميع السوريين"، مضيفاً: "نحثّ على تنفيذ التوصيات، والالتزام بالإسراع في إصلاح القضاء لضمان محاكمات تراعي حقوق الإنسان لجميع المتهمين".
وأشارت اللجنة الدولية إلى أن هناك حاجةً مُلِحّةً لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات في الساحل، وخاصة في ضوء الانتهاكات والتجاوزات المزعومة خلال الأحداث الأخيرة في السويداء، والتي تُجري اللجنة تحقيقاً فيها حالياً.
وجددت اللجنة دعواتها إلى التهدئة والحوار، واحترام حقوق الإنسان دون أي شكل من أشكال التمييز، واحترام القانون الإنساني الدولي، ولا سيما المرور السريع ودون عوائق للإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين، وحماية جميع المدنيين.
وثمنت اللجنة الرد البناء من الحكومة السورية والذي أرفقته كملحق في التقرير، مشيرةً إلى أنها تتطلع إلى مواصلة العمل معها بشأن تنفيذ توصيات التقرير للمساعدة في منع وقوع انتهاكات مستقبلية.
وأعربت سوريا عن شكرها وتقديرها لرئيس لجنة التحقيق الدولية باولو بينيرو على جهوده في إعداد التقرير حول أحداث الساحل، والذي ينسجم مع تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة، مؤكدةً التزامها بدمج توصيات التقرير ضمن مسار بناء المؤسسات وترسيخ دولة القانون في سوريا الجديدة.
يشار إلى أن الأمم المتحدة أنشأت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في الـ 22 من آب 2011 بموجب قرار من مجلس حقوق الإنسان، وعُهد إليها بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان في سوريا منذ آذار 2011 في سوريا.
واتخذت الحكومة السورية الجديدة خطوةً استثنائيةً بعدم الاعتراض على تجديد ولاية لجنة التحقيق في مجلس حقوق الإنسان، ومنحتها وصولاً غير مشروط إلى مناطق الساحل المتأثرة بالعنف، في خطوة تعكس الالتزام بالشفافية والمساءلة والتعاون البنّاء مع المجتمع الدولي.