الثلاثاء, 29 أبريل 2025 08:01 PM

تونس: دروس قاسية في مسار الربيع العربي - الشعبوية، الجيش، والدولة العميقة تحت المجهر

تونس: دروس قاسية في مسار الربيع العربي - الشعبوية، الجيش، والدولة العميقة تحت المجهر

بعد أن توهم العرب بأن الثورة الحقيقية تنتهي في أيام أو شهور، أو حتى سنوات قليلة، وأن هدفها يقتصر على إسقاط الزعيم أو النظام، يعود الحديث عن إدراكهم للمدى الطويل للثورة، والذي قد يمتد لجيل كامل على الأقل، ويهدف إلى إسقاط كل عناصر ثقافة ما قبل الثورة.

ومع ذلك، لا تزال الغالبية تتفاجأ بالأحداث التي تؤكد هذه الحقيقة، كما رأينا مؤخرًا في تونس. الأحداث الأخيرة قدمت دروسًا يجب تدوينها في سجل التجارب القاسية التي يجب تجنب تكرارها.

في تونس، انكشف المنهج الشعبوي الذي أوصل قيس سعيد إلى الحكم، وسط فرحة وتهليل الملايين من الثوار في تونس وخارجها. الدرس: لا قبول بالشعبوية، ولا اللجوء إليها بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، مهما كان خطابها المخادع ومغريًا.

في تونس، انكشف الجيش للمرة الثالثة، بعد أن قيل إنه لا يتدخل في السياسة ويدافع عن الشعب. الدرس: الجيوش العربية هي جيوش أنظمة في تركيبتها العضوية. لا يمكن لأي ثورة أن تنجح دون تطهير شامل لقادة ما قبل الثورة، وتوجيه معنوي مكثف يعيد رسم العقيدة العسكرية، مع فتح المجال لأبناء الثورة للانضمام إلى الجيش.

في تونس، انكشفت كذبة الحفاظ على الغالبية العظمى من جهاز الدولة الحاكم، خاصة في مجالات الإدارة والإعلام والاقتصاد والقضاء، بعد الثورة، وفق مبدأ "كلمة حق يراد بها باطل" مفاده أن الدولة ليست هي النظام. الأنظمة العربية أدركت بخبث قدرتها على خلق "الدولة العميقة" من خلال هذا المبدأ، مما جعلها أسرع وسيلة لعودة نظام ما قبل الثورة إلى السلطة. وهذا من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها حركة النهضة. الدرس: لن تنجح ثورة لا تُحضّر كوادرها لقيادة هذه المجالات، أو تجد قادة مؤهلين مستقلين تم إبعادهم في زمن ما قبل الثورة.

في تونس، انكشف نفاق الدول الكبرى والمتحضرة! بعد مرور 24 ساعة على الانقلاب الكامل الأركان، لم يصدر تصريح إدانة واحد من تلك الدول التي احتفت بالتجربة الديمقراطية التونسية ومنحت قياداتها جوائز عالمية. الدرس: هذا عالم لا يفهم إلا لغة المصالح والقوة الذاتية. في غياب القدرة على الحديث بلغة المصالح وامتلاك أدواتها، وتأمين أسباب القوة الذاتية الداخلية، لا يمكن لثورة أن تنجح وتستمر.

في تونس، ظهرت أخطاء، وأحيانًا خطايا، حركة النهضة، التي كانت تعتبر أكثر الحركات الإسلامية نضجًا وتوازنًا سياسيًا وأيديولوجيًا. الدرس: هناك إنجازات لا تنكر للحركة، وهناك مؤامرات خارجية معروفة، ولكن هناك أيضًا خطايا في ممارساتها، بدءًا من إصرارها على الدخول في كل جوانب الساحة السياسية منذ اللحظة الأولى، مرورًا بإصرارها الساذج على بقاء عناصر الدولة العميقة، وإخفاقها في إدارة الصراع السياسي، وتقصيرها في ابتكار سياسات تتعامل مع هموم الشعب اليومية، وصولًا إلى مشروعها لتعويض كوادرها بمئات الملايين من الدولارات. كل هذا سمح لقيس سعيد، والجيش، وأركان الدولة العميقة، وأهل الثورة المضادة، بتبرير الانقلاب. هذا درس قاس للحركات الإسلامية والأحزاب الأخرى، بألا تتصدى لقيادة الثورات إلا بعد أن تمتلك التأهيل لقيادة الدول وإدارتها.

أخيرًا، في تونس، سيحكم الشعب التونسي على نفسه من خلال رد فعله على الانقلاب. لا يمكن تجاهل تعبه وخيبته في النظام الديمقراطي. لن نعفي هذا النظام، وفي مقدمته حركة النهضة، من ذنبها فيما آل إليه الحال. رد فعل الشعب التونسي سيبقى مؤشرًا إلى درجة ارتباط الشعوب العربية بقيم الحرية والديمقراطية ودولة القانون. قوى الانقلاب ستودي بها إلى مآل تعتبر فيه يومها أنها كانت الآن بخير! بدلًا من الغرق في القلق، لنفكر بإيجابية في هذه الدروس الثمينة على أنها الإضافة الجديدة التي تقدمها تونس إلى سجل ثورة الربيع العربي الطويلة للأجيال القادمة. تونس ستكون دائمًا تجربة رائدة ومتقدمة على الطريق، وسيكون لائقًا بأهلها أن يمارسوا ما يجعلهم يستحقون تلك المكانة.

وائل مرزا - أكاديمي وباحث في العلوم السياسية

مشاركة المقال: