ذكرت شبكة دويتشه فيله الألمانية أن سوريا قد نجحت في تنظيم واحدة من أنجح حملات التمويل الجماعي على مستوى العالم، حيث تم جمع ما يقارب 500 مليون دولار للمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار. ومع ذلك، تثير هذه الحملات، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة واحتفاء شعبي، تساؤلات وشكوكاً حول مصادر الأموال وشفافيتها.
بعد مرور أكثر من عقد على الحرب التي دمرت أجزاء كبيرة من البلاد، تحتاج سوريا إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية. وخلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر، دعا الرئيس أحمد الشرع إلى تقديم المزيد من الدعم الدولي لجهود الإعمار. ولكن في ظل تباطؤ التحركات السياسية، أطلق ناشطون سوريون منذ شهر آب/أغسطس سلسلة من حملات التبرع الشعبية عبر الإنترنت لتمويل مشاريع محلية في عدد من المدن والمناطق.
تعتبر هذه الحملات من بين الأكثر نجاحاً على مستوى العالم؛ حيث جمعت إحدى المبادرات في محافظة إدلب وحدها حوالي 208 ملايين دولار خلال 24 ساعة. وشهدت مدن أخرى مبادرات مماثلة، بما في ذلك كفر رومة، التي أعلنت عن تبرعات تجاوزت 150 ألف دولار. ووفقاً لتحليل DW، فإن إجمالي التبرعات في مختلف الحملات السورية يصل إلى حوالي نصف مليار دولار.
وقال فاضل العكل، عضو اللجنة المنظمة في إدلب: "هذه الحملات تأسست على التضامن بين السوريين، فالبلاد تفتقر إلى المدارس والمشافي وحتى محطات المياه، وكان لا بد من خطوة تعيد الحياة إلى القرى والمدن المدمرة."
شارك في التبرعات أفراد من مختلف الطبقات، حيث تراوحت المساهمات بين دولار واحد و25 ألف دولار. وبلغت أكبر تبرعات الحملة من رجل الأعمال السوري غسان عبود المقيم في الإمارات، حيث قدم 55 مليون دولار لدعم مشاريع في مسقط رأسه إدلب.
في المقابل، برزت انتقادات حادة من محللين وناشطين، من بينهم حايد حايد الباحث السوري من مركز "تشاتام هاوس" البريطاني، الذي أشار إلى أن بعض المساهمين البارزين، مثل عائلة حمشو، ارتبطوا في الماضي بالنظام السابق، معتبراً أن المشاركة المالية لهؤلاء تثير مخاوف حول استخدام هذه الحملات لأغراض تلميع الصورة السياسية.
كما أثار إعلان حملة لجمع تبرعات في محافظة السويداء جدلاً واسعاً، إذ اعتبرها بعض السكان "غير لائقة"، كونها أطلقت في وقت تشهد فيه المنطقة توترات أمنية وعمليات قتل وخطف. وتساءل منتقدون آخرون عن مصادر بعض التبرعات الكبرى، ملمحين إلى أن جزءاً منها قد يكون من أموال مخصصة أصلاً ضمن ميزانيات وزارات أو برامج دولية.
وأشار تقرير محلي إلى مساهمات من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بقيمة 14 مليون دولار والجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) بـ11 مليون دولار، إلا أن الأخيرة أوضحت لـDW أن المبلغ مرتبط بمشاريع طبية قائمة مسبقاً وليس بالحملات الشعبية.
على الرغم من هذا الجدل، يرى مراقبون أن هذه المبادرات الشعبية أعادت الأمل للكثير من السوريين، حتى لو لم تكن كافية لتغطية التكلفة الهائلة لإعادة الإعمار، والتي تقدر وفقاً للبنك الدولي بنحو 216 مليار دولار.
يقول أحد المنظمين: "التمويل الجماعي لن يحل الأزمة، لكنه أعاد إحياء فكرة المشاركة والمسؤولية الجماعية"، مضيفاً أن الأهم هو "أن يشعر السوريون بأنهم شركاء في بناء مستقبلهم".