الجمعة, 26 سبتمبر 2025 12:12 AM

سرقة المعاني وأخلاقيات القراءة: نظرة في مفهوم "السرقة" الأدبية والفكرية

سرقة المعاني وأخلاقيات القراءة: نظرة في مفهوم "السرقة" الأدبية والفكرية

تبدو مقولة "القارئ لا يسرق، والسارق لا يقرأ" وكأنها حقيقة مطلقة، تتكرر يوميًا على فيسبوك مصحوبة بصور الكتب في كل مكان. لكن، لا أحد يذكر مصدر هذه العبارة أو سياقها الأصلي، مما يجعل التسليم بها أمرًا صعبًا، خاصةً وأنها تجمع بين مفهومين مثيرين للجدل: القراءة والسرقة.

هل القرّاء حقًا متشابهون؟ وهل القراءة تجربة موحدة للجميع؟ ألم يفكر اللصوص يومًا في سرقة مكتبة؟ الأخبار تثبت عكس ذلك، حيث تتوالى سرقات الكتب الأثرية والنسخ الأولى النادرة. حتى أن أحدهم سرق نسخة أصلية من كتاب يوثق شخصية "سبايدرمان"! الدافع قد يكون القراءة، البيع، أو حتى الفضول، لكن السرقة تبقى سرقة.

قراءة مُشوّهة

عبارة "السارق لا يقرأ" تحمل ازدراءً للفعلين معًا، فهي تتهم السارق بالانحطاط الأخلاقي والجهل. لكن هذا تبسيط مخل، فالتاريخ السياسي مليء بـ "لصوص" مثقفين استخدموا معرفتهم لسرقة الحقوق وتزوير التاريخ وتبرير الاستبداد. هؤلاء يقرؤون بعمق، لكن قراءتهم مُشوّهة، تخدم نزعاتهم التدميرية. القراءة وحدها لا تصنع إنسانًا أخلاقيًا، والسرقة لا تعني بالضرورة الجهل.

التاريخ السياسي مليء بـ "لصوص" مثقفين قرؤوا كثيراً ثم استخدموا معرفتهم لسرقة حقوق الآخرين وتزوير التاريخ وتبرير الاستبداد

هذا الوصف يصدق أيضًا على السرقات الأدبية التي تطال الروايات، الكتب، القصائد، المقالات، البحوث، الدراسات، ورسائل الدكتوراه. جامعة دمشق تعاملت مع هذا الأمر بسحب شهادة الدكتوراه من طالبة بعد شكوى من صاحب البحث الأصلي الذي "استُلّت" منه الرسالة. سواء كانت الكلمة "استلال" أو "سرقة" أو "اختلاس"، فهو فعل لا أخلاقي يدفع الضحايا إلى المحاكم أو الإعلام، لكن غالبًا ما يتحول الأمر إلى جدل عقيم.

نخبة معصومة

الثقة المطلقة التي تمنحها عبارة "القارئ لا يسرق" للقارئ تدعونا للتساؤل: أي قارئ نتحدث عنه؟ هل هو القارئ الذي ترسخت لديه أخلاقيات المعرفة، أم أننا نصنع صورة مثالية عن "طبقة القراء"؟ في الواقع السوري، حيث الأزمات تشتد، يصبح الفعل الثقافي محكومًا بمعايير البقاء. أليس من الممكن أن يتحول القارئ إلى سارق، ليس بالضرورة للكتب، بل للكهرباء أو الماء؟ العبارة الأصلية تتعامل مع السرقة بمفهومها المادي الضيق.

القراءة وحدها لا تصنع إنساناً أخلاقياً كما أنّ السرقة لا تعني بالضرورة غياب المعرفة

ماذا عن سرقة الفرص؟ في سياقنا الثقافي، حيث تُحتكر المنصات الإعلامية باسم "الثقافة"، أليست سرقة فرصة النشر من كاتب أو صحفي، وتهميش إبداعه، سرقة لأكثر من فكرة؟ إنها سرقة مستقبل، سرقة صوت، سرقة مسار ثقافي بأكمله. هذه سرقات لا تقل بشاعة عن سرقة النصوص، بل قد تكون أقسى، لأنها تُمارس باسم "الاختصاص" و"الجودة" و"المعايير" الغامضة والمتحيزة.

شعورٌ زائف

في النهاية، العبارة التي نناقشها تشبه الكليشيهات الجاهزة التي تريحنا من عناء التفكير. إنها تمنحنا شعورًا زائفًا بالأمان الأخلاقي. ربما كان السياق الأصلي للعبارة بريئًا، وربما قيلت في لحظة دفاع عن فكرة مكتبة الشارع، وربما أراد ناقلوها القول بأنه لا داعٍ لحراسة الكتب. على أية حال، في العبارة خطأ يجب تصحيحه، وكذلك هو نقلها خارج سياقها وتكرارها كمسلَّمة، في وقت تبدو فيه الحاجة ملحة إلى مراجعة كل "المسلمات" التي تتردد في فضاءاتنا.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: